يحضر لتناول ذلك الغذاء - أما الآكلون فكانوا تلاميذ ذلك المصنع المجاور - يأكلون بلا ثمن ويخدمون بلا أجر وبعد ذلك يذهبون لصنعهم لمباشرة أعمالهم - وما يخرجونه من أثاث أو فرش أو غير ذلك بتهافت الناس على شرائه حباً في مساعدة ذلك المعهد والثمن يكفي للأمور الآتية:
(1) شراء ما يلزم المطبخ من سمن وخضر ولحم ووقود ورواتب معلمات الطباخة.
(2) شراء ما يلزم للمصنع من خشب وحديد وشعر وجلد ومشاهرات معلمي الصنائع.
(3) يبقى احتياطي يعطى منه 10 جنيهات بصفة مكافأة لكل تلميذ أقام سنتين بالمصنع وأتقن صناعة ما وحسنت في حقه الشهادة - يعطى ذلك المبلغ مساعدة له في الشروع في فتح دكان للنجارة أو الحدادة أو غيرهما حتى لا يعود كما كان متشرداً بالشوارع وكنت عد زيارتي لذلك المعهد أتباحث مع مديره في فوائده. فبعد أن ذكرت له ما تراءى لي من تلك الفوائد قال لي: فاتتك فائدة كبيرة فإنك تعلم أن التعلم ببلاد السويد إجباري مجاني من زمن مديد فأبناؤنا متعلمون وخدمتنا متعلمون فالجو الأدبي في منزلي نقي طاهر والجو في المدرسة كذلك نقي طاهر - فإذا خفت على آداب ولدي مثلاً فلا أخاف إلا من الشارع حيث المتشردون - فهذا المصنع وأمثاله يجمع المتشردين من الطرقات وبذلك يصير جميع جو المدينة نقياً طاهراً لا تسمع فيه لفظاً واحداً يمش شعورك إذ تشمئز منه نفسك وقد جرت لي حادثة أثناء وجودي بقاعة الطعام - وذلك أنني رأيت فتاة تبلغ من السن نحو الرابعة عشرة ذهبية الشعر زرقاء العينين معتدلة القوام بيدها ممسحة بيضاء تنظف بها أواني الأكل وأدواته قبل تقديمه للأولاد - فذهبت لمحادثتها كي أعرف إن كانت تخدم هؤلاء المتشردين اضطراراً وخضوعاً لأمر مدرستها أم ماذا؟
وقلت لها أمثلك يخدم هنا المشرد القذر؟ فرفعت عينيها الزرقاوين وهزت رأسها في وجهي وقالت بعظمة وربما كان باحتقار لي: ومعناها بالعربية أما هو سويدي فشعرت بارتياح وأدركت أن هذه الفتاة الجميلة تخدم هذا الولد القذر طوعاً ر كرهاً - تخدمه لأنه سويدي وهي سويدية.
وفي تلك اللحظة قرب مني مدير المصنع وأظهر اهتماماً زائداً بمحادثتي الفتاة ولما انتهيت أخذني على انفراد وقال لي أتعلم من اخترت لتوجيه سؤالك. قلت: لا قال هذه حفيدة الملك