تسلبنا إياه الشدة يتيسر للزمان المسالم والأحوال الموافقة أن تعيده إلينا ولكن الحقوق التي نتخلى عنها بصنعنا نفقدها إلى الأبد بدون أن نأمن رجعتها.
وعلى هذا شمر المجريون عن ساعد الجد وأعادوا قاحل أرضهم حدائق غلباً وحقولاً ممرعة وتلك المراعي التي يضل فيها الغنم أصبحت الآن تربى قطعاناً من البقر بحيث زاد عددها مليون رأس منذ عشر سنين وإن بلاد المجر كانت وما زالت بلاداً زراعية وستظل كذلك ومن الأرض تستخرج أهم مواد ثروتها على أنها بفضل جد الأفراد والحكومة بلغت في الصناعات شأواً بعيداً يحسدها عليه أرقى الأمم بحيث قدر صناعها بثلثمائة وعشرين ألفاً من أصل عشرين ميلوناً سكان المجر كلهم وقد جاوز محصولها السنوي ملياري فرنك فقدرت الزيادة في ثماني سنين بخمسين في المائة فلله ما يعمل الجد والعلم المادي ولا غرو بعد هذا إذا كان للماديات تأثير قوي في المعنويات.
الصين الجديدة
قلق الأوربيون لنهضة الصين الحديثة فمن قائل أن الخطر منها يوشك أن يتناول الأوربيين قريباً ومن قائل بان العهد ذلك بعيد الآن وقد انتدبت الجمعية الجغرافية في باريز عالماً ثقة ليدرس الحالة في بلاد الصين وعاد فكتب كتاباً في هذا الشأن قال فيه أن الخطر الأصفر ليس قريب الوقوع كما يدعي بعضهم وإن اليوم الذي يقوم الصينيون فيه ويقولون: آسيا للآسياويين بعيد ومتى حان يحيق الخطر بالقرب فالأقرب من الأوربيين (أي الفرنسيس في التونكين) كما وقع ليابان في استيلائها على كوريا ومحاولتها الأخذ بخناق منشوريا قال وإن السواد الأعظم من أبناء السماء ليحافظون على التقاليد القديمة كل المحافظة يقدسون أجدادهم ويكتوبن بخطوط صعبة يستحيل أن تنتشر بواسطتها مدنية وربما كان الإفرنج النازلون في بلاد الصين السبب الأعظم في كره الصينيين للغربيين على نحو ما جرى في ثورة البوكسر سنة 1900 فثارت البلاد على الأجانب بدون استثناء وهذه العداوة المتأصلة هناك تجعل في نشوء الصين وما هو يبطئ كما يظن فمنذ سنين قليلة كانت تمتنع الصين من إنشاء سكك حديدية ثم أعطت امتيازات لأناس من الأجانب وعادت فابتاعت منهم ما مدوه من الخطوط لئلا تكون لهم حجة في بلادها ونظامها العسكري حديث العهد وهو سائر سير نجاح وأوربا تحسن صنعاً إذا عاقت ارتقاء الصين في الجندية لا كما تعمل الآن فيقدم