وادي العجم وإقليم البلان
يفزع المشتغلين بعقولهم إلى الفلاة يروضون أفكارهم كلما آنسوا من نفوسهم مللاً وتعباً رجاء أن يخفف عنهم ما نابهم فيعاودون أعمالهم بنشاط أكثر ومضاء أوفى وأوفر. وعلى هذه السنة جرى كاتب هذه السطور فركب العربة من دمشق بعد ظهر الخميس في 13 ربيع الثاني 1327 (13 نيسان غربي 1911) قاصداً إلى قطنا مركز قضاء وادي العجم فبتنا فيه ليلتنا على مثل ما كان النهار سخية هطالة ورياحاً نكباء وزعازع وأعاصير وكنا نود لو نخلص من الغد إلى راشيا ولكن حالت الثلوج المتراكمة في سفوح جبل الشيخ دون الأمنية فعقدنا العزم على زيارة القنيطرة حاضرة الجولان أولاً ثم نقصد إلى جبل عامل ونجعل راشيا خاتمة المطاف.
وعلى هذا ركبنا خيلاً من الغد قاصدين إقليم البلان ومنه إلى الجولان في يوم انقطعت أمطاره ولم تنقطع رياحه وذارياته وبعد أن سرنا ساعتين في شعاب وهضاب بلغنا قرية بيتيما وتخطيناها لنجتاز نهرها إلى كفر حور ولكن عجز حمار مكارنا عن قطع المخاضة إذ لا جسر يعبر عليه بين القريتين وصادف أن كانت عصارات ثلوج جبل الشيخ قد كثرت عصر ذاك اليوم فاضطرتنا الحال أن نعود أدراجنا إلى بيتيما نقضي فيها الليل عسى أن تخف مياه نهرها من الغد فنستأنف السير.
ومعنى بيتيما بالسريانية بيت اليتيم وقيل بيت الماء ولكل من اسمه نصيب وهكذا فعلنا ونحن نضحك من حكم الأقدار في هذه الديار وكيف أدى ماء النهر وعدم الجسر إلى تخلفنا ليلة في الطريق. نعم استضحكنا لأن حمار المكاري لم يستطع العبور وأنا ورفيقي كيف نسير وحدنا ونهتدي إلى ما نقصده من البلاد بدون دليل فقلنا: يا سبحان الله كم من حمار يقطر بشراً فيؤخرهم عن السير هذا الحال في حمار حيوان فكيف إذا كانت حمراً كثيرة في صور بشرية.
ليس في هذا الوادي والإقليم ما يستحق الذكر من الأمور التاريخية والأثرية فقد سكت التاريخ عن ذكر حالته في الأزمان القديمة كما سكت من أقاليم الشام فوادي العجم وإقليم البلان ليس لهما ذكر في تواريخ القرون الوسطى اللهم إلا ما كان من ذكر نهر وادي العجم