التمييز الأساسي الجوهري لا يفاجأ به إنسان تبحر في دروس التاريخ الديني فإن مؤرخي الإصلاح الذي قام به لوثيروس وكلفن شاهدون بما كان للسياسة من عمل في نشر المذهب البرتستانتي. وحقاً أن كبار المصلحين في القرن السادس عشر كانوا أرباب وجدانات وأخلاق ونوابغ في الدين من الطراز الأول ولكن جذبهم تيار السياسة في عصرهم فعملوا على أن يديروه بحيث يوافق رغائبهم الدينية.
وإن في تاريخ البابوية أمثلة لا تقل ع ذلك في الظهور والدلالة على الصلة الشديدة في النشوء البشري بين المصالح الروحية والمصالح السياسية والاعتبارات الدينية والاعتبارات العملية والمادية.
ولقد ذهب بعضهم مذاهب أخرى في تأويل هذه القضية المعروفة في سرعة انتشار الإسلام لأول أمره وأرى أن من الباحثين من أوغلوا في تعليل الأسباب على حين يكفي كما بينا أن تعتبر الأسباب العامة الاعتيادية في حياة كل مجتمع بشري فقال بعضهم إن القوة في انتشار هذا الدين نشأت من طبيعة هجرة العنصر العربي الذي كان يبحث عن مخرج يخرج إليه من أرضه لأن بلاده كانت ضيقة لا تكفيه وزعم آخرون أن السبب في انتشار العنصر العربي والهجرة التي انتهت في القرن السابع للميلاد بنشر الإسلام في جزء مهم من بلاد الشرق كان منبعثاً من بطء التبدل في بلاد العرب ألوفاً من السنين. فكان من نتيجة ذاك التبدل جفاف تلك الشبه الجزيرة التي تعادل بمساحتها ثلاثة أربع مساحة أوربا أما نحن فنخشى كثيراً أن يكون هذا التغير الأساسي في المناخ لا يصل بنا إلى أوقات عريقة في القدم قبل أن عرف التاريخ.
أوجزنا الكلام على هذه الأسباب في انتشار الدعوة الإسلامية لأول عهد الهجرة لأن هذا الدين ما برح ينتشر إلى اليوم والعاملان الجوهريان فيه على الدوام هما اللذان أوردناهما أولاً وما انتشار الإسلام في القرن العشرين إلا ناشئ من أسباب منها الديني ومنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
فالأسباب الدينية إذا بحثنا فيها كان علينا بادئ الرأي أن تنظر فيما إذا كان للإسلام كما للنصرانية مبشرون فإنا نرى النصرانية تنتشر في الخارج بواسطة جمعيات التبشير وعوامل منفردة في المذهب البرتستانتي والمذهب الكاثوليكي بواسطة الرهبنات. وليت