طلبه فإن كان لحاجته إلى رزق القضاء المستحق في بيت المال كان طلبه مباحاً وإن كان رغبة في إقامة الحق وخوفه أن يتعرض له غير مستحق كان طلبه مستحباً فإن قصد بطلبه المباهاة والمنزلة فقد اختلف في كراهية ذلك مع الاتفاق على جوازه فكرهته طائفة لأن طلب المباهاة والمنزلة في الدنيا مكروه قال الله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين.
وذهبت طائفة أخرى إلى أن طلبه لذلك غير مكروه لأن طلب المنزلة مما أبيح وقد رغب نبي الله يوسف عليه السلام إلى فرعون في الولاية فقال اجعلني على خزائن الأرض اتي حفيظ عليم فطلب الولاية ووصف نفسه بما يستحقها به من قوله اني حفيظ عليم وفيه تأويلان (أحدهما) حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني وهذا قول عبد الرحمن بن زيد (والثاني) أنه حفيظ للحساب عليم بالألسن وهذا قول اسحق بن سفيان وخرج هذا القول عن حد التزكية لنفسه والمدح لها لأنه كان لسبب دعا إليه انتهى.
اشتراط علم المولي بأهلية من يوليه لصحة التولية
قال الإمام الماوردي: تمام الولاية معتبر بأربعة شروط (أحدها) معرفة المولي للمولى بأنه على الصفة التي يجوز أن يولى معها فإن لم يعلم أنه على الصفة التي تجوز معها تلك الولاية لم يصح تقليده (والشرط الثاني) معرفة المولي بما عليه المولى من استحقاق تلك الولاية بصفاته التي يصير بها مستحقاً لها وأنه قد تقلدها وصار مستحقاً للاستنابة فيها ثم ذكر تتمة الشروط في تولية القضاء مما يدل على اعتبارها فيما هو دون تولية القضاء من الافتاء والتدريس والوعظ والإرشاد والخطابة والإمامة بالأولى ولله در المستوعر الأكبر في قوله:
وما سقطت يوماً من الدهر أمة ... من الذل إلا أن يسود دميمها
إذا ساد فيها بعد ذل لئيمها ... تصدى لها ذل وقد اديمها
وما قادها للخير إلا مجرب ... عليم بإقبال الأمور كريمها
وما كل ذي لب يعاش بفضله ... ولكن لتدبير الأمور حكيمها
وبالجملة فإعطاء كل ذي حق حقه ووضع الأشياء في مواضعها وتفويض الأعمال للقادرين عليها مما يوجب صيانة الحق ويشيد بناء العدل ويحفظ نظام الأمور من الخلل، ويشفي