ولا أقول ذلك كلياً مطرداً فإن لله طائفة من عباده لا يضرهم من خذلهم وهم حجة الله في أرضه وإن قلوا ولم يأت قرن بعد ذلك إلا وهو أكثر فتنة وأوفر تقليداً وأشد انتزاعاً للأمانة من صدور الرجال حتى اطمأنوا بترك الخوض في أمر الدين وبأن يقولوا إن وجدنا آباءنا على أمة وأنا على آثارهم مقتدون وإلى الله المشتكى وهو المستعان وبه الثقة وعليه التكلان انتهى كلام ولي الله الدهلوي.
ماروي من تهيب السلف للفتيا
قال الإمام النووي في مقدمة شرح المهذب: أعلم أن الإفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطاء ولهذا قالوا: المفتي موقع عن الله تعالى: وروينا عن ابن المنكدر قال: العالم بين الله وخلقه فلينظر كيف يدخل بينهم.
وروينا عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياءً كثيرة معروفة نذكر منها أحرفاً روينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترفع إلى الأول وفي رواية ما منهم من يحدث بحديث الآود أن أخاه كفاه إياه ولا يستفتى عن شيء الأود أن أخاه كفاه الفتيا وعن الشعبي والحسن وأبي حصين (بفتح الحاء) رحمهم الله قالوا: إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر وعن سفيان بن عيينة وسحنون: اجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً: وعن الشافعي رضي الله عنه وقد سئل عن مسألة فلم يجب فقيل له فقال حتى أدري أن الفضل في السكوت أو في الجواب وعن الأثرم سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يكثر أن يقول: لا أدري: وذلك مما عرف الأقاويل فيه وعن الهيثم بن جميل قال: شهدت مالكاً سئل عن ثماني وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري وعن مالك أيضاً رحمه الله: ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها وكان يقول: من أجاب فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب وقال أبو حنيفة رحمه الله: لولا الفرق من الله تعالى أن يضيع العلم ما افتيت يكون لهم المهنأ وعلي الوزر وأقوالهم في هذا كثيرة معروفة.