ودمرتها ودكتها إلى الحضيض. ودليلهم على مذهبهم أن التوراة المنزلة صرحت بالأمر بحيث لم تبق شكاً فيه. وارتأى غيرهم من رجال الدين إلى أن بركاناً نارياً انفجر في بطن الأرض فأحرق تلك المدن ودليل أرباب هذا المذهب هو أن إبراهيم الخليل تطلع على تلك البقعة فرأى إذ ذاك دخاناً كثيفاً متصاعداً من قلب الأرض.
وبعد فقد عنيت بعض الجمعيات الأوربية بالبحث عن سدوم وسواها إفادة للعلم بأثر يجدونه في أرجائها. ورجال العلم الحقيقي في هذا العصر - عصر التحقيق والبحث - باذلون ما في وسعهم لكشف النقاب عن كل مسألة غامضة تفيد العلم والمجتمع.
وقرأت أن أحد السياح الباحثين وجد تمثالاً من ملح في جانب جبل سدوم في جنوبي بحيرة لوط ولعلَّ هذا التمثال هو نصب امرأة لوط التي تقول التوراة عنها بأنها عوقبت بذلك من أجل مخالفتها لأمر رجلي الله فالتفتت إلى ورائها لترى ما حلَّ بسدوم.
أما تاريخ إحراق سدوم ودمارها فيرجع إلى أيام إبراهيم الخليل جد اليهود. وتاريخ إبراهيم يرد إلى زهاء أربعة آلاف سنة. ولما كانت التوراة أهم مستند لدرس العلماء الملاحدة على رغم إلحادهم لأنها أقدم تاريخ من حيث المادة التاريخية يرجعون إليها في كثير من المسائل القديمة. ولما كانت موضوع بحث الباحثين من أئمة الدين وعلمائه من شرقيين وغربيين لم أر بدّاً من الرجوع إلى التوراة في بعض وصف مدينة سدوم وعمورة وتوغلهما في القدم والعمران.
فقد سمى موسى الكليم تلك البقعة مدن دائرة الأردن ووصفها بقوله أنها جنة وأن أراضيها تسقى بمياه نهر الأردن ولا غرو فقد هام الشعراء في هذا العصر بجمال بقاع بحر الميت فنظموا فيها القصائد. وأمها السياح من كل حدب وكانت كتاباتهم مجمعة على جمال موقع تلك البقعة وخصب أراضيها وطيب هوائها وعذوبة مائها. ولم يرد في التوراة شيءٌ عن عدد سكان تلك المدن الأربع غير أن كثيرة فساد الآداب في سدوم وعمورة خصوصاً على ذلك العهد تدل على أن تينك المدينتين كانتا مأهولتين بالسكان. والفاحشة في الغالب لا تتفشى بكثرة إلا في المدن الكبيرة وحيث يكثر الزحام وينمو السكان.
وصرح موسى الكليم بأنه كان لكل مدينة من مدن الدائرة ملك. فكان بارع ملك سدوم وبرشاع ملك عمورة وشنئآب ملك أدمة وشئمبير ملك صبوئيم وانه قد حدثت لهؤلاء الملوك