وهذا الدور الأخير في حياته هو الذي تمنى أن يموت عليه قال في ترجمته نفسه: لما ذكرت ما أوتيت منن خير وما تم على يدي من شر رايتني أقسم أدوار حياتي الطويلة بأسرها إلى أربعة أدوار: أولها ذاك الدور العجيب خصوصاص إذا قيس بالدور الذي يليه_البار البهج الشعري واعني به دور الطفولية. ثم الدور الثاني عشرون سنة كان فيه من الغشاء الغليظ والخدمة والطمع بالمعالي وخصوصاً في المكاسب ما كان. ثم جاء الدور الثالث وهو ثماني عشرة سنة أي منذ تزوجت إلى نشور الروح وهوالدور الذي يحق أن يدعى في نظر العالم دور الأخلاق بمعنى اني عشت في هذه البثماني عشرة سنة كما تعيش الأسرة بالاحشمة والنظام غير مستسلم لمفسدة ينبذها الناس ولكن جميع مصالحي كانت مقصورة على عنايتي عناية مقرونة بحب الذات ممزوجة بالأنانية وعلى زيادة ثروتي وعلى نجاحي الأدبي وعلى مختلف حظوظ تنالها نفسي والدور الرابع يرد إلى عشرين سنة التي أنا فيها الآن وأود أن أموت عليها وبها يتمثل لي ما فغي الحياة الماضية من عظيم الخطر وهو الدور الذي لا ابغي سواه ما خلا اعتيادي الشر الذي اندمج في روحي في الأدوار الأخيرة.
هذا مجمل من طفولية تولستوي وشبابه وكهولته وشيخوخته وقد نشأ فيه القيام على الظالمين ومجاهدة المستبدين من الرؤساء الدينيين والدنيويين مما ثقفه عن حالته تاتيانا ألكسندروفنا وكانت من نساء المتهذبات وعلمته الحب والميل إلى الوحدة والتأثر من المظالم كما علمه روسو وفولتير نزع ربقة التقاليد الموروثة. ولكن تولستوي لم يتحرر كل التحرير من رق العبودية للمحيط والمنشأ وبقيت فلسفته تربح من صبابات النصرانية ومدارها لا تقابل الشر بالشر. ولو سارت أوربا على هذه الفلسفة لما قام عمرانها وانبسط سلطانها على ما نرى. فلسان حال الغرب وجزاء سيئة سيئة مثلها فحكمة تولستوي ليست كحكمة معظم أنصار الحكمة في الغرب اليوم مادية صرفة بل هي روحية ممزوجة بطرف من آداب النصرانية تتخللها عقائد اشتراكية متطرفة فهو لا يرى أن يملك الأرض أحد لأنها لله بل تترك وشانها ينتفع بها عباها ويرى أن لا يعاقب المجرمون بالسجن بل أن يصفح عنهم الصفح الجميل ولا يعتقد بألوهية المسيح بل يرى أنه إنسان ذو مذهب هو خير المذاهب للناس ومن أفكاره الاشتراكية بل الفوضوية أن أحسن الطرق في الخلاص من ظلمك