السفن الروسية حرة إلى البحر الأبيض بين خليجي البوسفور والدرندنيل فلم ترض الدولة بهذه الشروط المجحفة وعادت النمسا فاستجمعت قواها وحمي الوطيس في بلاد البلقان وهزم العثمانيون العدو حتى اضطر الروس إلى أن يحرقوا بأنفسهم أسطولهم في بحر أزوف لئلا يسقط في أيدي العثمانيين.
وفي سنة 1739 عقد الصلح بواسطة فرنسا بين الدولة العثمانية من جهة ودولتي روسيا والنمسا من أخرى وأعادت النمسا بلغراد وساباكزا وسونا وغيرها وأصبح نهر الطونة والساف تخوماً بينها وبين الدولة العثمانية وقضت المعاهدة الأخيرة على روسيا أن تهدم حصون أزوف وتاكانروج وتسحب سفنها من بحر أزوف والبحر الأسود ولا تتجر إلا على السفن الأجنبية وأن تظل القريم مستقلة وتنال لقاء ذلك حرية المذهب الأرثوذكسي في المملكة العثمانية وأن تقيم لها سفيراً دائماً في الأستانة ووعد السلطان أن يمنح لقب إمبراطورة للقيصرة حنة إيفانوفنا. ولم يجر في هذه المحالفة أي ذكر لبولونيا. وكان من نتائج هذه المعاهدة أن عرف الأرثوذكس على عهد السلطان عثمان الثالث سنة 1757 بأن روسيا تعضدهم في البلاد العثمانية فكان أول عمل لهم أن ينهبوا دير الكاثوليك في يافا وهجموا على الفرنسيسكانيين وغيرهم من الباباويين حتى في كنيسة القبر المقدس وكسروا المصابيح والآثار وغيرها وجردوا الرهبان مما كان لهم.
ولما أبى أغسطس الثالث ملك بولونيا أن يدخل مع أعداء الدولة العلية في محالفة ضدها اعترف به الباب العالي ملكاً وأرسل من قبله إلى فارسوفيا عاصمة البولونيين مندوباً سنة 1737 وذلك على عهد السلطان عثمان الثالث وكذلك أبلغ السلطان مصطفى الثالث بعد ثلاث سنين صاحب بولونيا بجلوسه على العرش وبدأت العلائق الحسنة بين الدولة العلية وحكومة بولونيا حتى كانت الدولة تصدر أوامرها المرة بعد المرة إلى عمالها في شوسيم وبندر والى خان القريم أن لا يكدروا صفو الصلات ينهم وبين بولونيا واذا نشأ على التخوم خلاف يحلونه بالحسنى.
وأدخلت روسيا في غضون ذلك جنداً لها إلى أرض بولونيا فاعترض الباب العالي عليها فأجابته بأنها تنوي إطفاء فتنة داخلية وأن العهود تقضي بأن لا تتدخل الدولة العثمانية في الشؤون البولونية ومع هذا أصر الباب العالي فاضطرت بولونيا أن تحسم الخلاف الذي