كثير الحلبي الرافضي قدم دمشق وأقام بها سنوات فاتفق أنه شق الصفوف الناس في صلاة جنازة بالجامع الأموي وهو يعلن بسبب من ظلم آل محمد فنهره عماد الدين بن كثير وأغرى به العامة وقال أن هذا يسب الصحابة فحملوه إلى القاضي تقي الدين السبكي فاعترف بسب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فعقدوا له مجلساً فحكم نائب المالكي بضرب عنقه تعزيزاً وزجراً بعد أن كررت عليه التوبة ثلاثة أيام فأصر فضربت عنقه بسوق الخليل وحرق العوام جسده وذلك في جمادى الأولى سنة سبعمائة وخمس وخمسين.
ومن أنعم النظر في تراجم من قتلوا يتضح له أنهم كانوا على جانب عظيم من العقل والعلم وأن أكثر ما روي عنهم متقول عليهم ليجدوا السبيل إلى إقناع العامة والحكام لإزهاق أرواجهم.
وفي الدرر عدة تراجم من هذا القبيل تدل على انحطاط في ذاك العصر وأن الناس كانوا يعمدون للتشفي ممن يحبون إلى استفتاء القاضي المالكي لأن مذهب مالك يقضي بأن يكون التعزيز بالقتل أو بالحبس أو بالتشهير كما وقع لأحمد بن محمد مري البعلي الحنبلي من أشياع بان تيمية فرفعوا أمره إلى القاضي المالكي بالقاهرة فضربه ضرباً مبرحاً بحضرته حتى أدماه ثم شهره على حمار أركبه مقلوباً ثم نودي عليه هذا جزاءُ من يتكلم في حق رسول الله صلي الله عليه وسلم فكادت العامة تقتله ثم أعيد إلى السجن.
ومثل ما وقع لأحمد بن محمد البققي المصري الأديب العالم فضربوا عنقه بأمر القاضي المالكي بالطبع لأنه بدت منه كما قيل أمور تنبئ بأنه مستهزئ بأمور الديانة وأنه منحل مستحل المحرمات.
ومثل ما وقع لأحمد بن محمد بن إسمعيل الحلبي الأديب المتصوف فضبطت عليه ألفاظ موبقة فرفع أمره إلى الحاكم بحلب فحكم القاضي المالكي صدر الدين الدميري بسفك دمه فقتل وهو القائل:
إذا نلت المنى بصديق صدق ... فكان وداده وفق المراد
فحاذر أن تعامله بقرض ... فإن القرض مقراض الوداد
ومثله إسمعيل الكردي وأحمد الروسي وعثمان الدكالي وفضل الله ابن اليهودي ومحمد الباجريقي وعلي بن الحسن الرافضي وغيرهم ممن ذهبوا شهداء قضاة المالكية والمتعصبة