ونادى يا صاباحاه فجاءوا يهرعون فقالوا: ما دهمك ما طرقك قال: بما تعرفونني قالوا محمد الأمين قال: أرأيتم أن قلت لكم أن خيلاً قد طرقتكم في الوادي وأن عسكراً قد غشيكم من الفج أكنتم تصدقوني قالوا: اللهم نعم ما جربنا عليك كذباً قط. قال: فإن الذي أنتم عليه ليس الله ولا من الله ولا يرضاه الله قولوا لا إله إلا الله وإني رسول واتبعوني تطعكم العرب وتملكون العجم وإن الله قال لي أستخرجهم كما استخرجوك وابعث جيشاً وابعث خمسة أمثاله وضمن لي أن ينصرني بقوم منكم وقال لي: قاتل بمن أطاعك من عصاك وضمن لي أن يغلب سلطاني سلطان كسرى وقيصر ثم أنه عليه الصلاة والسلام غزا تبوك في ثلاثين ألفاً وهذا من قبل الله الذي يجعل من لا شيء كل شيء ويجعل كل شيءٍ لا شيء يجمد المائعات ويميع الجامدات يجمد البحر ثم يفجر الصخر وما مثله في ذلك إلا كمثل من قال هذه الزجاجة الرقيقة السخيفة أحك بها هذه الجبال الصلدة الصلبة المنيفة فترضها وتفضها وهذه النملة الرقيقة اللطيفة تهزم العساكر الكثير المعدة وكذا حقيقة أمره عليه الصلاة والسلام حتى لقد قال عروة بن مسعود الثقفي لقريش وكان رسولهم إليه صلى الله عليه وسلم بالحديبية لقد وردت عَلَى النجاشي وكسرى وقيصر ورأيت جندهم وأتباعهم فما رأيت أطوع ولا أوقر ولا أهيب من أصحاب محمد لمحمد هم حوله كأن الطير عَلَى رؤوسهم فإن أشار بأمر بادروا إليه وإن توضأ اقتسموا وضوءه وإن تنخكم دكوا بالنخامة وجوههم ولحاهم وجلودهم وكانوا له بعد موته أطوع منهم في حياته حتى لقد قال بعض أصحابه لا تسبوا أصحاب محمد فإنهم اسلموا من خوف الله وأسلم الناس من خوف أسيافهم فتأمل كيف استنتج دعوته وهو ضعيف وحده بأن هذا سيكون فرآه العدو والولي وما كان مثله في ذلك إلا مثل من قال هذه الهباءة تعظم وتصير جبلاً يغطي الكعبة فدفعه عثمان بن طلحة العبدري فقال: لا تفعل يا عثمان فكأنك بمفتاحها بيدي استعين بعصمة الله وتوفيقه وأجعلهما معينتي عَلَى دفع شهواتي أشكو إليه عكوفي عَلَى الأماني وأسأله فهماً لمواعظ عبر الدنيا فقد عميت عن كلوم غيرها بما جشم عَلَى خواطري من الشعف ولست أجدر مني منصفاً لي ولا حاجزاً لرغبتي فيها عنها وأين ودائع العقول وخزائن الأفهاء يا أولي الأبصار صفحنا عن مساوئ الدنيا إغماضاً لعاجل موفق التنغيص وترمي إليه يد الزوال وتكمن له الآفات قال كثير: