حنين أواله إلى وكرها وذات الفرخ إلى وكرها والحمامة إلى إلفها أو الغزالة إلى خشفها لكان ذلك مما تغيره الليالي والأيام والعصور والأعوام لكنه حنين الظمآن إلى الماء والخائف إلى الأمن والسليم إلى السلامة والغريق إلى النجاة والقلق إلى السكون بل حنين نفسه النفيسة إلى الحمد والمجد فإني رأيت نزاعها إليهما نزاع الإستقسات إلى عناصرها والأركان إلى جواهرها فإن وهب الله لي ملأ من العمر يؤنسني برؤيته ويعلقني بحبل مودته مرت كساري الليل ألقى عصاه وأحمد مسراه وقر عيناً ونعم بالأوكان من لم يمسسه سوء ولم يتخوفه عدو ولا نهكه رواح ولا غدو وعسى الله أن يمن بذلك بيومه أو بثانيه وبه الثقة وأنا أسأل الله عَلَى التداني والنوى والبعاد إمتاعه بالفضل الذي استعلى عَلَى عاتقه وغاربه واستولى عَلَى مشارقه ومغاربه فمن مر عَلَى بحره الهياج ونظر في لألآء بدره الوهاج خليق بأن يكبو قلمه بأنامله وينبو طبعه عن رسائله إلى أن يلقي إليه بالمقاليد أو يستهويه إقليداً من الأقاليد فيكون منسوباً إليه ومحسوباً عليه ونازلاً في شعبه وأحد أصحابه وحزبه وشرارة تياره وقراضة ديناره وسمك بحره وثمد غمره وهيهات ضاق فتر عن مسير ليس التكحل في العينين كالكحل خلقوا أسخياء لا متساخين وليس السخي من يتساخى ولاسيما وأخلاق النفس تلزمها لزوم الألوان للأبدان لا يقدر الأبيض عَلَى السواد ولا الأسود عَلَى البياض ولا الشجاع عَلَى الجبن ولا الجبان عَلَى الشجاعة قال أبو بكر العزرمي:
يفر جبان القوم عن أم رأسه ... ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه
ويرزق معروف الجواد عدوه ... ويحرم معروف البخيل أقاربه
ومن لا يكف الجهل عمن يوده ... فسوف يكف الجهل عمن يواثبه
ومن أين للضباب صوب السحاب وللغراب هدى العقاب وكيف وقد أصبح ذكره في مواسم الذكر أذاناً وعلى معالم الشكر لساناً فمن دافع العيان وكابر الأنس والجان واستبد بالأفك والبهتان كان كمن صالب بوقاحته الحجر وحاسن بقباحته القمر وهذي هذر وتعاطى فعقر وكان كمحموم بلسم فعفر ونادى عَلَى نفسه بالنقص في البدو والحضر وكان كمن قال من يعنيه ولا يشك فيه:
كناطح صخرة يومأً ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاده شرفاً لديه قال لعن الله ذا الوجهين لعن الله