ومن أنواع العصافير ما يألف البلاد الجبلية وهو أيضاً يختط لعشه في الجدر والأحجار والأشجار خططاً عجيبة ويبالغ في هندسته وتقسيمه وكذلك الحال في الخطاف الذي يشبه السنونو فيكمل عمله وبدلاً من ثقب بسيط يختاره في أعلى العش للدخول يقيم نوعاً من الطريق مغطى في أسفل الجدار. ومن الطيور ما لا يحذق ابتناء الوكنات ومع هذا ومع هذا لا تلقي صغارها على حصا تختاره لذلك. وأعجب ما في هذه الطيور البناءة كلها فطرة الذكاء التي تقودها إلى اختيار مواد البناء. فالسنونو مثلاً تعرف كل المعرفة تمييز نوع الملاط الذي تجمع فيه بين أجزاء ما تقيمه من البناء من الداخل والخارج وذلك بمفرزاتها اللزجة التي هي من خصائصها الطبيعية وهذه المفرزات يستخدمها بعض الطيور ملاطاً لوكناتها أيضاً. وأن الطير المعروف ببناء البيوت ليصنع عشه من الطين والقش حتى أن أهل المكسيك منه تعلموا طريقتهم في البناء.
ومن لطيور النجار كما فيها البناء وذلك كالطائر المعروف بالنقار ال1ي يعيش في الأشجار يتسلق عليها بمخالبه فينقر بمنقار لحاء الشجر ليفرغ منها الهوام ليعيش بها فهو عامل غريب يجمع عشه بصبر مدهش ويحفره في بعض الجذوع على ثلاثة أمتار من وجه الأرض ويحتال في إجادة محله ما شاء وشاءت الإجادة الغريزية على نحو ما نشاهد جحوراً نجرتها هذه الطيور كنقار الخشب والصرد في غابات إنكلترا ثم تتركها إلى محل آخر لا تصل إليه اليد.
ومن الطيور ما ينقي الزرع كالقصير الرجلين يخدم الحدائق كما يخدمها صاحبها والمتعهد لها فهو وإن كان يعيش على شواطئ مجاري الأنهار ولاسيما البائخ إلا أنه ينقي الزهور والبذور التي يترك وشأنه ليسرح بينها وبين أجمل من هيئته وهو يقفز ويمر مسرعاً جائياً ذاهباً وجسمه مائل إلى الأمام وقنبرته منتصبة وريشه مشرق ظاهره سماوي وباطنه أبيض وعينه منتبهة لا يغفل دودة ولا حلزوناً إلا ويعزلها عن الزرع بوجدان سليم.
وأعجب من هذا وذاك حال الطير المسمى الشرطي وهو يكثر في أواسط أوربا يقف على الأسلاك البرقية على مساوف بعيدة يرصد البعاد لونه أسود وله عصابة برتقالية في رأسه يقتات بالديدان ويخافه النسر والباشق والبازي وقد سمي الظالم لأنه إذا اختلط بطيور أخرى يتسلط عليها وإذا لم يجد أسلاكاً ينزل على بعض العمد أو على غصن شجرة وإذا