مجله المقتبس (صفحة 3454)

ولذهاب عينيه كما صرح في ذلك بقوله:

أرني في الثلاثة من سبحوني ... فلا تسأل عن الخبر النبيث

لفقدي ناظري ولزوم بيتي ... وكون النفس في الجسد الخبيث

وكان يلعب الشطرنج والنرد (الطاولة). ويملي على بضع عشرة محبرة في فنون من العلم وولع بالعلوم الرياضية وأتقنها وله كثير من الأبيات الرياضية مثل قوله:

طرق العلى مجهولة فكأنها ... صم العوائد مالها أجذار

والعقل أنذرنا بما هو كائن ... في الدهر ثم تشعب الأنذار

وعلى الجملة فإن المعري كان غزير الفضل وافر الأدب عالماً باللغة ضليعاً بآدابها حسن الشعر جزل الكلام قوي الذاكرة شديد الذكاء.

3ً_حافظته ونوادره ووفاته

اشتهر أبو العلاء بقوة الحافظة اشتهاراً عظيماً فاق فيه بديع الزمان الهمذاني وغيره وربما زاد حفظاً بالعمى فإنه يجمع الذهن ويقوي المخيلة. ومما يروى عنه أنه جرى حساب طويل بين رجلين في مكان تشرف عليه غرفته فسمع الحساب وحفظه. ثم ضاعت الأوراق بعد أيام فأملاها عليهما ووجدت الأوراق بعد ذلك فكانت طبق إملائه.

وأعجب من هذا أنه كان يوماً عند يهودي فأتاه يهودي آخر واستودعه صرَّة. ثم جاء يطلبها بعد سنة فأنكرها فرافعه إلى القاضي ولم يكن بينهما شهود إلا المعري فاستقدمه القاضي وسأله. فقال: إنني رجل أعمى لم أبصر ما كان بينهما. ولكنني سمعت كلاماً بالعبرانية أذكر لفظه ولا أعرف معناه. فدعا القاضي يهودياً خالي الذهن من القصة وأعاد عليه الشيخ ذلك الكلام فإذا هو يؤذن بصحة الدعوى.

وأنشده مرة أبو نصر المنازي قوله:

وقانا لفحة الرمضاء وادٍ ... سقاه مضاعف الغيث العميم

نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنو المرضعات على الفطيم

وأرشفنا على ظماءٍ زلالاً ... ألذ من المدامة للنديم

يصد الشمس أنى واجهتنا ... فيحجبها ويأذن للنسيم

تروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015