قال المسيو نويل أن اللغة الحية هي التي تخضع لنواميس الحياة أي أنها تدخل فيها الجديد وتنبذ ما لا تراه نافعاً لها وهو تجديد يعد من شروط الحياة كالتغذية لكل تركيب نام نباتياً كان أم حيوانياً.
وإني لأكتفي بدحض هذه الحجة بأنه أورد تاريخ العربية ولكم أن تحكموا بأنفسكم بأن هذه اللغة لم تبرح خاضعة قبل الإسلام وبعده لنواميس الحياة. أما تاريخ اللغة العربي فيقسم إلى أدوار أربعة: دور التكون ودور المدنية الإسلامية الزاهر ودور الانحطاط والدور الحالي.
فدور التكون يبدأ بالزمن الذي انفصلت فيه هذه اللغة عن سائر اللغات السامية وأصبحت لغة خاصة بعد أن كانت عبارة عن لهجات كثيرة قلما تجد بينها اختلافاً كثيراً وهي وافرة بقدر ما كان من القبائل في شبه جزيرة العرب. وتعدد اللهجات كان من أسباب غنى العربية بمفرداتها وانتهت الحال بعد ذلك بأن اندمجت هذه اللهجات بعضها في بعض ونسيت كلها ما عدا ثلاث لهجات كبرى ذكرها التاريخ وهي لغة اليمن والحجاز والحبشة.
جاء محمد (عليه السلام) وبدأ بتوحيد جزيرة العرب في سياستها ووفق أخلافه إلى تتميم هذا المقصد فتوحدت بذلك اللغة وكانت الغلبة للغة الحجاز موطن النبي فأصبحت لغة القرآن بعد واغتنت بما دخل إليها من المفردات المستعملة عند شعوب كثيرة ممن كانوا يقصدون مكة حاجين كالهند والفرس والنبط والحبشة والمصريين والإسرائيليين وغيرهم. فكانت مكة أشبه ببرج بابل ولا عجب أن سرى إلى اللغة الأدبية على ذلك العهد مزيج من لغات الأمم الأخرى.
فالألفاظ الدخيلة التي اغتنت بها اللغة العربية إذ ذاك هي أسماء العقاقير الطبية وما تنتج بطون الأرض من المعادن وما يصنع في فارس والمملكة الرومانية والهند الشرقية من المصنوعات ويحمل إلى جزيرة العرب. واقتبست العربية قبل الإسلام ألفاظاً كثيرة من اللغة البهلوية كما اقتبست من العبرانية بعض ألفاظ العبادة مثل الحج الكاهن عاشوراء وكانت الصلات التجارية بين الهند وبلاد العرب سبباً في تعريب كثير من الألفاظ السنسكريتية ولاسيما ما كان منها خاصاً بالعطور والأحجار الثمينة. وبعد أن فتحت فارس أخذ العرب يلبسون الثياب الفارسية وأدخلوا إلى لغتهم الألفاظ الدالة عليها في جملتها فدخلها من الألفاظ السروال الجبة القفطان الطربوش على نحو ما استعمل المسلمون الذين يكتسون