قال في قوت القلوب في الفصل الثلاثين تفصيل خواطر القلوب ما مثاله بعد سرد آيات وقال تعالى يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك وقال تعالى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم وقال ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فمن السواء والتعديل والازدواج والتقويم أدوات الظاهر وأعراض الباطن وهي حواس الجسم والقلب. فأدوات الجسم هي الصفات الظاهرة. وأعراض القلب هي المعاني الباطنة قد عدلها الله تعالى بحكمته وسواها على مشيئته وقومها إتقاناً بصنعته وإحكاماً بصنعه (أولها) النفس والروح وهما مكانان للقاء العدو والملك وهما شخصان ملقيان للفجور والتقوى (ومنها) غرضان متمكنان في مكانين وهما العقل والهوى عن حكمين في مشيئة حاكم وهما التوفيق والإغواء (ومنها) نوران ساطعان في القلب عن تخصيص من رحمة راحم وهما العلم والإيمان فهذه أدوات القلب وحواسه ومعانيه الغائبة وآلاته والقلب في وسط هذه الأدوات كالملك وهذه جنوده تؤدي إليه أو كالمرآة المجلوة وهذه الآلة حوله تظهر فيراها ويقدح فيه فيجدها.
(ثم قال) فإذا أردا الله تعالى إظهار الخير من خزانة الروح حركها فسطعت نوراً في القلب فأثرت فينظر الملك إلى القلب فيرى ما أحدث الله تعالى فيه فيظهر مكانه فيتمكن على مثال فعل العدو في خزانة الشر وهي النفس، والملك مجبول على حب الهداية مطبوع على حب الطاعة كما أن العدو مجبول على الغواية مطبوع على حب المعصية فيلقي الملك الإلهام وهو خطوره على القلب بقدح خواطره يأمر بتقييد ذلك ويحسنه له ويحثه عليه وهذا هو إلهام التقوى والرشد.
(ثم قال) ذكر تقسيم الخواطر وتفصيل أسمائها، فأما تسمية جملة الخواطر فما وقع في القلب من عمل الخير فهم (إلهام).
وما وقع من عمل الشر فهو (وسواس).
وما وقع في القلب من المخاوف فهو (الحساس).
وما كان من تقدير الخير وتأميله فهو (نية).
وما كان من تدبر الأمور المباحات وترجيها والطمع فيها فهو (أمنية وأمل).
وما كان من تذكرة الآخرة والوعد والوعيد فهو تذكرة وتفكير.