قضي على اللغات في كل عصر ومصر أن تقتبس بعضها من بعض ما يعوزها من الألفاظ لتعبر بها عن الإكثار الحديثة والعربية والفارسية والتركية لم تخلص من هذا القانون. فاقتبست أولاً من اللغات السامية ومن اليونانية ثم من أهم لغات أوروبا الحديثة ولاسيما من الفرنسوية كما اقتبست كمية وافرة من الألفاظ للإفصاح عن الأفكار التي ليس في معجمها ما يدل عليها ثم هجمت تلك الألفاظ الأعجمية هجوماً كثيراً كادت تأتي معه على مفردات تلك اللغات نفسها فقامت تريد الرجوع إلى أصولها وهبّ القوم ينبذون من اللغات الإسلامية الثلاث تعابير رأوها وحشية ويستعيضون عنها بألفاظ يشتقونها من المادة الأصلية في العربية والفارسية والتركية أو بألفاظ موجودة ولكنها أُطلقت على معاني جديدة.
ومن الضروري أن لا يفوتنا النظر بأن أصحاب هذه اللغات اليوم يريدون الرجوع بلغاتهم إلى أصولها الصحيحة ويطرحون الألفاظ التي ليست لهم مدفوعين إلى ذلك بتأثيرات الدعوة إلى الوطنية في البلاد الإسلامية. وهذه الحركة في الرجوع بهذه اللغات إلى أصولها لا ترمي إلى نبذ الألفاظ الإفرنجية فقط بل إلى أن القوم في فارس يطمحون إلى حذف التعابير العربية وفي البلاد العثمانية كما هو سائر البلاد التركية يحاولون طرح الألفاظ العربية والفارسية. ويبحث الأدباء من أهل هاتين اللغتين فيما لديهم من الألفاظ الإيرانية والتترية عن الألفاظ التي كان من تأثيرات الفاتحين أو من رغبة المغلوبين في إظهار معرفتهم بلغة غالبيهم إن زهد فيها واستعملت ألفاظ أقل منها انطباقاً مع الروح التركية والفارسية وإن كثر استعمالها وعدت أو كادت من مادة اللغة الأصلية.
جرت اللغات الإسلامية كاللغات الأجنبية في اقتباسها على طريقتين علمية وعامية فالعامة يقتبسون على أيسر وجه من الألفاظ ما يتكرر على مسامعهم دائماً أو ما يفصح عن أفكار لا مقابل لها في لغتهم الأصلية ولقد عرفت منذ القديم القوانين التي تجري عليها في الاقتباس فالأسماء تنتقل من لغة إلى أخرى بأعظم ما يكون من السرعة وأقل من ذلك انتقال الصفات وفي النادر اقتباس الظروف ويشذُّ أو لا يكاد يكون أثر لاقتباس الأفعال. ومن اللغات ما إذا نظر فيه إلى المفردات يمكن وصفه باللغات المختلطة وهي تتألف في البلاد التي عرفت بتجارة المقايضة ولا سيما في الموانئ البحرية مثل لغة البيجيين في الشرق الأقصى وهي مزيج من اللغة الإنكليزية والصينية ولغة السابير مؤلفة من العربية والافرنسية والإسبانية