مجله المقتبس (صفحة 308)

صدور المشارقة والمغاربة

ابن الحناط الكفيف

كلما نظرنا في تراجم رجال الإسلام نظر الناقد المستبصر يتجلى لنا أن من نفعوا الأمة نفعاً حقيقياً هم في الأكثر ممن كانت لهم ولو مشاركة قليلة في العلوم الطبيعية والرياضية والتاريخية لأن هذه الفنون تلقح فكراً جديداً وتكبر دائرة تصور المشتغل بها ولو نظر فيها نظرة إجمالية فما الحال به إذا أحكمها كل الإحكام. وذاقها كما يذوقها أرباب الأحلام.

خذ لك مثالاً من ترجمة الرازي وابن تميمية والغزالي وغيرهم فقد كانوا من المتمكنين من علوم الأوائل وتواريخهم لذلك كتبت لهم الإجادة في كل ما أثر عنهم من المصنفات الدينية وغيرها. وصاحب الترجمة أبو عبد الله ابن الحناط الأندلسي هو أحد الأمثلة في هذا الباب إلا أنه انصرف بكليته إلى علوم الدنيا فأفاد واستفاد ولم يصده فقد البصر عن توفر البصيرة في العلم والأدب. ولا غرو فقد كان عصره وقطره مبعث النور ومنبثق الفضائل.

قال في الذخيرة: هذا زعيم من زعماء العصر كان ورئيس من رؤساء النظم والنثر في ذلك الأوان. وجمرة فهم لفحت وجوه الأيام. وغمرة علم سالت بأعلام الأنام فكم له من وقذة لا يبرأ أميمها. ونكزة لا يسلم سليمها. وكانت بينه وبين أبي عامر بن شهيد بعد تمسكه بأسبابه. وانحياش كان إلى جنابه. مناقضات في عدة رسائل وقصائد أشرقت أبا عامر بالماء. وأخذت عليه بفروج الهواء. وقد أوردت من ذلك ما يكون انطق لسان بنباهة ذكره وأعدل شاهد على براعة قدره.

وقد ذكره ابن حيان في فصل من كتابه فقال: وفي سنة سبع وثلاثين وأربعمائة نعي إلينا أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحناط الشاعر الضرير القرطبي بقية الأدباء النحارير في الشعر. هلك في الجزيرة الخضراء في كنف الأمير محمد بن القاسم. وهلك أثره ابنه الذي لم يكن له سواه بمالقة فاجتث أصله. وكان من أوسع الناس علماً بعلوم الجاهلية والإسلام بصيراً بالآثار العلوية. عالماً بالأفلاك والهيئة حاذقاً بالطب والفلسفة. ماهراً في العربية واللغة والآداب الإسلامية وسائر التعاليم الأوائلية.

من رجل مرهق في دينه مضطرب في تدبيره سيئ الظن بمعارفه شديد الحذر على نفسه فاسد التوهم في ذاته. عجيب الشأن في تفاوت أحواله. وولد أعشى ضعيف البصر متوقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015