مذهبه، وانحرف عن مذهب سواه، حتى وُسم به، ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء، وعيب بالشذوذ، ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي ومن اتبعه من فقهاء الأمصار، فنقحه ونهجه، وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه، وثبت عليه، إلى أن مضى لسبيله رحمه الله.
وكان يحمل علمه هذا ويجادل من خالفه فيه على استرسال في طباعه، ومذل (إفشاء) بأسراره، واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده، ليبيننه للناس ولا يكتمونه. فلم يكُ يلطف صدعه، بما عنده، بتعريض ولا يزنه بتدريج، بل يصك به معارضه صكّ الجندل، وينشقه متلقنه انتشاق الخردل، فينفر عنه القلوب، ويوقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته فتمالؤوا على بغضه، وردوا أقواله، وأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنه، ونهوا عوامهم عن الدنو إليه، والأخذ عنه، فطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة وبها توفي رحمه الله سنة ست وخمسين وأربعمائة وهو في ذلك غير مرتدع، ولا راجع إلى ما أرادوا به. يبث علمه في من ينتابه بباديته تلك من عامة المقتبسين منهم من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة يحدثهم ويفقههم، ويدارسهم، ولا يدع المثابرة على (التعليم) والمواظبة على التأليف والإكثار من التصنيف، حتى كمل من مصنفاته في فنون من العلم وقر بعير لم يعدُ أكثرها عتبة باديته بتزهيد الفقهاء وطلاب العلم فيها، حتى حرق بعضها باشبيلية، ومزقت علانية، لا يزيد مؤلفها في ذلك إلا بصيرة في نشرها، وجدالاً للمعاند فيها، إلى أن مضي لسبيله.
وأكثر معايبه زعموا عند المنصف له، جهله بسياسة العلم التي هي (أعوص) من إيعابه، وتخلفه عن ذلك على قوة سبحه في غماره، وعلى ذلك كله فلم يكن بالسليم من اضطراب رأيه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يحرك بالسؤال فيفجر منه بحر لا يكدره الدلاء، ولا تقصر عنه الرشاء، له على كل ما ذكرناه دلائل ماثلة، وأخبار مأثورة، وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم. . .
وبعد أن ذكر ابن حيان إدلال ابن حزم بأرومته ونسبه، مع أنه من عجم لبلة، وماله من المجالس مع أولي المذاهب المرفوضة من أهل الإسلام وأورد بعض تآليفه قال: ومن شعره