في زمان محمد الفاتح على أنه لم يكن حتى في آخر زمانه سوى قاضٍ واحد للعسكر ولما كثرت الأعمال قسم القضاةَ على قسمين فصار قاضي عسكر للروم ايلي وقاضي عسكر للأناضول وجعل الفاتح جلال زاده خضر بك قاضياً عَلَى استانبول ومفتياً في مركز السلطنة وذلك عقيب فتح الأستانة.
وبعد حين تولى العالمان الشهيران ابن كمال باشا وأبو السعود أفندي منصب الفتيا بعدما كانا قاضيين للعسكر ثم أخذ يطلق عَلَى منصب الإفتاء مقام المشيخة الإسلامية وأصبح منصب الإفتاء فوق منصب قاضي عسكر الروم ايلي وقاضي عسكر الأناضول وجعلت له رئاسة الطرق العلمية ونظارة المحاكم الشرعية وأصبح مقام شيخ الإسلام معادلاً لمقام الصدارة العظمى وصار يقال لشيخ الإسلام (ولي النعم) وعدامر المعارف والعدل من حقوق مقام المشيخة واخذ طلبة العلوم عندما ينجزون دروسهم عَلَى الطريقة القديمة يقيدون أسماءهم في جريدة الدولة فيغدون قضاة.
ولم تكن مناصب قاضي عسكر وقضاة استانبول وقضاة أدرنه توجه إلا عَلَى اكبر المدرسين ومنتهى رتب التدريس رتبة المولوية بيد أن هذه الوظائف كانت مقرونة بالعمل والقاعدة أن ينالها المرء بحسب قدمه ولكن قوة الوساطة والشفاعة والرشى صارت تؤَهل الجاهل لبلوغ تلك المناصب فدخل الفساد فيها حتى أصبح القضاء ألعوبة بأيدي البحارة وصعاليك الناس وانشأ من ينال شهادة الملازمة بوسائط غير مشروعة يصل بها إلى القضاءِ. وكان قاضي استانبول اكبر مأمور شرعي بعد قضاءِ العسكر وله النظر في أمور البلدية وشؤون أرباب التجارة والحرف.
قلنا أن أحكام العدل كانت من وظائف مقام المشيخة وأن الدعاوي تنظر في المحاكم الصغرى وأما الدعاوي الكبرى فينظر فيها أمام قاضي عسكر وكان الديوان الهمايوني بمنزلة محكمة كبرى فوق المحاكم ينظر في أمور الدولة والأمور الشرعية معاً ثم تغيرت صورة هذا الديوان وانفردت أمور الدولة عن مصالح الرعية فاخذ القاضيان يجتمعان في غرفة العرض مرتين من كل أسبوع وينظران في الدعوى التي تعذر حلها في المحاكم الصغيرة وكان يقال لهذا المجلس (حضور مرافعه سي)
وأصبح هذا المجلس في سنة 1254 يلتئم بحضور شيخ الإسلام وفي عهد المرحوم عبد