علائق لبنان مع الغرب قبل حادثة سنة 1860 وبعدها ولأن ابن لبنان أكثر أهل جبال سورية تعلماً ونوراً وأوفرهم نشاطاً ومضاءً وشمماً وادلالاً بل أن مجموع القارئين والكاتبين فيه أوفر من مجموع القارئين والكاتبين في مجموع مدن الشام.
وأول من دخل أميركا (1) من السوريين الخوري الياس بن القسيس حنا الموصلي الكلداني من سنة 1668_1683 وأول من دخل أميركا الشمالية في القرن الماضي الخوري فلابيانوس الكفوري سافر إليها سنة 1848 وأخذ معه ناصيف الشدودي وأول من دخل الجنوبية المطران باسيليوس حجار سنة 1874 وكانت غايتهم جمع الإحسان وأول من دخل أميركا الشمالية للتجارة تجار من بيت لحم حملوا مصنوعاتهم الخشبية المرصعة بالصدف إلى معرض فيلادلفيا سنة 1876 ثم عادوا إلى بلادهم بثروة وافرة فاقتفى أثرهم غيرهم واتصل ذلك بشمالي لبنان وامتد في كل سورية ثم كثرت الجالية السورية في العالم الجديد واستراليا وجزر البحر المحيط بل وفي افريقية شرقها وغربها وشمالها وجنوبها.
وقدر بعضهم أن ثلث المهاجرين يسكن أميركا وثلثهم يرجع إلى وطنه والثلث الآخر يموت. ونظن أن الثلث الأخير مبالغ فيه وإن كان عدد الهالكين في المهجر غير قليل. وأحصي (1) عدد السوريين المهاجرين إلى سنة 1906 فكانوا مائتين وخمسين ألفاً منهم ستون ألفاً في الولايات المتحدة وخمسون ألفاً في جمهوريات أميركا الجنوبية وخمسة وعشرون ألفاً في أميركا الوسطى وعشرة آلاف في اوستراليا وبعض الجزائر والباقون في افريقية والهند والفليبين وكوبا ومصر وعدد اللبنانيين منهم ستون ألفاً نصفهم ذكور ونصفهم إناث وربما كان الذكور أكثر.
كثرت الهجرة منذ نحو عشرين سنة وذهب بعض سكان لبنان بإقدامهم وذكائهم المعهود فنزلوا في دار الهجرة بلاداً تحتاج إلى أيدً عاملة ونفوس لا تعرف التعب فأنشأوا يعملون ويذخرون ويقترون على أنفسهم في النفقة على خلاف عادة معظم المهاجرين إلى أميركا من أهل أوربا مثلاً فآب من قدرت له السلامة منهم ولم يكن له رأس مال في هجرته غير صحته بمئات الليرات فكان أول همه أن يعمر له داراً قوراء بالحجر النحيت والقرميد على المثال الذي رآه في بيوت المهجر.
وكثر تقليد الناس بعضهم لبعض ومنهم من اشترى له أرضاً في بلده وطفق الآخر بما جناه