ليس أغرب من هذا الشرق ترى فيه الاختلاف في الأفكار كما تراه في الأديان بل تراه في اختلاف الهواء والماء وقد وفق الغرب إلى توحيد ألبسة أهله في القرون الأخيرة أما الشرق فلم يزل في تخالفه في ذلك على نحو ما كان عليه في القرون الوسطى قرون الظلم والهمجية.
اختلاف المشارقة في ألبستهم قديم فقد كان للقضاة وللأجناد وللعلماء والعامة ألبسة خاصة بهم بل كان اللباس تابعاً للأقاليم فابن الحجاز يلبس ما لا يلبسه ابن الشام وهكذا تجد لو طفت الأقاليم ودرست المدنيات.
وكان لأهل الذمة في الإسلام لباس خاص بهم وهو من التحكمات السياسية التي دعا إليها العرب لا الدين وليس في الدين ما يدل على تمييز المسلمين بلباس خاص فقد اشترط الخليفة الثاني في كتاب الجزية الذي كتبه لأهل الذمة أن يؤخذوا بلبس الغيار وهو علامة لهم كالزنار ونحوه ولما تبسط الفاتحون في مناحي السلطان كان من جملة واجبات المحتسب كما في كتاب نهاية الرتبة في الحسبة أن يأخذ الذميين يلبسه فإن كان يهودياً عمل على كتفه خيطاً أحمر أو أصفر وإن كان نصرانياً عمل في وسطه زناراً أو علق في حلقه صليباً وإن كانت امرأة لبست خفين أحدهما أبيض والآخر أسود وإذا عبر الذمي إلى الحمام ينبغي أن يكون في حلقه صليب أو طوق من حديد أو نحاس أو رصاص ليختبر عن غيره.
وفيكتاب الخراج لأبي يوسف أن لا يترك أحد منهم يتشبه بالمسلمين في لباسه ولا في مركبه ولا في هيئته ويؤخذوا بأن يجعلوا في أوساطهم الزنارات مثل الخيط الغليظ يعقده في وسطه كل واحد منهم وبأن تكون قلانسهم مضربة قبل وإن عمر بن الخطاب امر عماله أن يأخذوا أهل الذمة بهذا الزي أي أن تكون قلانسهم طوالاً مضربة وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عامل له فلا يلبس نصراني قباء ولا ثوب خز ولا عصب وقد ذكر لي أن كثيراً من قبلك من النصارى قد راجعوا لبس العمائم وتركوا المناطق على أوساطهم واتخذوا الجمام والوفر وتركوا التقصيص ولعمري لئن كان يصنع ذل فيما قبلك إن ذلك بك لضعف وعجز ومصانعة.
وفيما اطلعنا عليه من الكتاب إشارات طفيفة لاختلاف أزياء الذميين في العصور الإسلامية