المتجرات بالأعراض من النساء فإنهن يعمدن إلى الصحف فيجعلنها وسيطة بينهن وبين زبونهن مقترحة بأنهن يعطين دروساً في اللغة أو يعرضن تحفاً ونفائس.
ولقد يجعل باعة الترياق والأدوية الشافية من الصحف واسطة لممارسة طبهم ولا ينالهم عقوبة فيوصون باستعمال العقاقير الضارة مثل خلاصة التيروييد والمسهلات السريعة وغيرها. وكذلك يفعل الماليون فيها للإعلان عن مسائل لهم تحوي في مطاويها الغش والخديعة وتخرب بيوت السذج من الناس.
وكثيراً ما تبلغ الحال بتلك الجرائد أن تهدد بعض الناس أو يرضونها بما تريد وتنشر خبر فضيحة وقعت واعدة أن تأتي من الغد بشرح واف على ما جرى والله أعلم متى يجيء هذا الغد إذا خف إليهم المفضوح فرشاهم ليسكتوا.
أيها القارئ أنك إذا ابتعت الجريدة الفلانية تعتقد بأنها لا تكلفك غير فلس واحد فانزع هذا الوهم من نفسك فكثيراً ما يكون منها أضرار بصحتك وثروتك وشرفك فما تدفعه من ثمنها يجعلك شريكاً في جرائمها.
ولقد سرى فساد هذه الجرائد ولصوصيتها في الأخلاق حتى أن القوم لم يعودوا يفكرون في لومها. ولما اتهم في قضية برزخ باناما أناس من مشاهير كبار رجال السياسة طالب الصحافيون منهم بأجرة المقالات المنشورة كأنهم يطلبون بحق ولكن تلك المبالغ التي قبضوها تجاوزت الأجرة المعتادة بما لا يقال.
هذا والحكومة تعين الجرائد على ما هي في سبيله فهي لا تكتفي بإعطائها مبالغ من المال سراّ بل توافقها على جميع مطالبها فتساعدها حين الحاجة بجندها لتستخدمها إعلاناً عن نفسها وتضع قسماً من أسطولها تحت أمر أرباب الجرائد ليجعلوا صفة رسمية لسباق القوارب الذي يقومون به وتسحب الحكومة يانصيب باسمها إكراماً للصحف. قال لي أحد مديري الجرائد ذات يوم: أنا لا أدعو إلى الفنون ولا إلى الآداب ولا إلى العلم إنني تاجر وأريد أن أنظر في مصلحتي وما جريدتي إلا حائط يعلق إعلانه عليه كل من يؤدي أجرته. قال هذا ولكن فإنه أن هذا الحائط متحرك يدخل في كل مكان ويزيد عدده إلى ما لا نهاية له يبيعه من القارئ. فأنت أيها الصحافي مسمم لعقول العامة لا تقل في ضررك عن ذاك (البدّال) الذي يغش المأكولات.