قورش ملك الفرس وليموسنقلس وسيبيون الآسياوي وإلا إمبراطور أدريان ويقال أن مزية الحافظة هيأت لاوتون الروماني تولي الملك. وتعلم ليموسنقلس اللغة الفارسية في سنة وكان ليبس اللغوي الأديب البلجيكي (1547ـ 1606) يحفظ تاريخ تاسيت المؤرخ اللاتيني بألفاظه حرفاً بحرف وقد قال أنه يرضى أن يقف جلاد وبيده سيف على رأسه وهو يتلو هذا التاريخ فإذا أخل بحرف واحد يضرب عنقه.
وكان لرينودي بون حافظة سعيدة يذكر جميع الأبيات اللاتينية واليونانية التي قرأها في صباه ويتلو صفحات برمتها من ديوان هوميروس وان كان مضى عليه أربعون سنة وهو لم ينظر فيه نظرة واحدة. وكان هوج دونو الفقيه المشهور في القرن السادس عشر يستظهر القوانين المعروفة في عصره بالحرف الواحد. وحفظ يوسف سكاليجة الأديب (1540ـ 1609) الإلياذة والاوذيسية في أحد وعشرين يوماً. ومن ألطف ما يروى في باب الحافظة أن أحد الفلاحين في فرنسا جاء إلى باريز يقصد صاحباً قديماً له قد استلف منه خمسة فرنكات منذ خمسة عشرة وطلب إليه أن ينقده ماله فتركه وعاد فدفع إليه ليرة واحدة وخمسة فرنكات وقال له: هذا يا صاح قد كنت نلت وأنا في المدرسة ليرة جائزة عن حافظتي فرأيتك أحد مني ذاكرة وأنك أحق بهذه الجائزة مني.
ليس في الدنيا خير محض فقد اخترعت الطباعة منذ نحو خمسمائة سنة فعم نفعها أهل الأرض كافة ولكن ما عتمت أن نتج عنها بعض شر إذ أصبح الناس يعتمدون على الكتب في جماع علومهم وآدابهم بعد أن كان جل اعتمادهم على محفوظاتهم ومخطوطاتهم. والغالب أن الاعتماد على الحافظة والحفاظ كان في الإسلام على أشد قبل تدوين الكتب وتأليف الرسائل والمصنفات ولما بلغ بعض الأئمة تدوين الكتب أسفوا وعدوه من دواعي تقهقر العلم وانقطاع سند الرواية وما زالت الحال ترتقي بعض الشيء في بعض الأعوام ثم يزهد في الحفظ حتى انتشرت الطباعة في بلادنا بانتشار الصناعات الفكرية فأمسى الناس يستندون إلى السطور بدل الصدور والقراطيس والأسفار بدل الحفظ والاستظهار فضعفت بهذا الضعف الحافظة وان قويت المفكرة وقلت الرواية وان لم تقل الدراية.
انقطع سند الحفظ إلا في بعض ما لا يسع الأمة جهله من القرآن وعلومه فأخذ بعضهم يفتاتون على من عرفوا قديماً بسعة محفوظهم ويزيفون ولكن بدون برهان ما رواه طائفة