أفاض في محاسن هذا الإقليم من عذوبة ماءٍ وطيب هواءٍ ووفرة غلةٍ وكثرة فاكهة قال وأظن مساحة أرض بساتينه ونخله تقارب عشرين ألف فدان ونقل غرائب في حمل أشجاره قد يعد بعضها من المبالغة والغلو ولا غرو فكل فتاة بأبيها معجبة. وذكر في معادنه معدن البروم بالقرب من قنا ومعدن الزمرد وحجر البازهر والنفط والنطرون والرخام ومن معاهد العلم ست عشرة مدرسة بقوص وثلاثاً بأسوان واثنتين بأسنا وواحدة بالأقصر وأخرى بأرمنت واثنتين بقنا وواحدة بهو وأخرى بقمولا.
أما ترتيب الكتاب فعلى حروف المعجم ابتدأه بإبراهيم وختمه بيونس وذيله بباب في الكنى ذكر به من كنيته اسمه وغالب تراجمه مختصرة يقتصر فيها على المولد والوفاة وشيء من أخبار المترجم وروايته إن كان من المحدثين. على أنه خالف ذلك في البعض فأطال فيهم كالنويري صاحب نهاية الإرب والرشيد بن الزبير وأخيه المهذب الشاعر والتاج بن المفضل وعبد الرحمن النخعي وذكر من سعة تبحره في الفقه أن الفتوى كانت ترفع إليه ورجله في الركاب فيكتب عليها بدون توقف وابن الحاجب مؤلف الكافية وقيصر المعروف بتعاسيف العالم الرياضي الذي عمل لسلطان حماه كرة عظيمة صور عليها الكواكب المرصودة وصنع له طاحوناً على العاصي وبنى له أبراجاً وتحيل فيها بحيل هندسية ومجد الدين بن دقيق العيد وابنه تقي الدين الإمام المشهور وترجمته أطول ترجمة في الكتاب والقفطي صاحب التاريخ وغيرهم ممن استحقت أعمالهم إطالة الكلام فيهم. ولم يهمل النساء فذكر منهم من اشتهرن بالعلم والفضل كتاج النساء ابنة عيسى القوصية وأختها مظفرية وخديجة بنت علي بن وهب ورقية بنت محمد بن علي بن وهب وكلهن من أسرة بني دقيق العيد.
وأعجبني منه التزامه الصدق وميله مع الحق فيما كتب فترجم كل إنسان بما له وعليه حتى تقي الدين بن دقيق العيد لم يمنعه ذكره لمناقبه وحسناته وشهادته له ببلوغ رتبة الاجتهاد من أن يقول فيه: ولكنه تولى القضاء في آخر عمره وذاق من حلوه ومره وحط ذلك عند أهل المعارف والأقدر من قدره وحسن الظن ببعض الناس فدخل عليه إلباس وحصل له من الملامة نصيب والمجتهد يخطئ ويصيب ولو حيل بينه وبين القضاء لكان عند الناس أحمد عسره ومالك دهره الخ. . وترجم عبد القادر بن المهذب وهو ابن عمه فوصفه بالذكاء