حقوق الآدميين وليس هذا على عموم الدعاوي وإنما يختص بثلاثة أنواع من الدعوى أحدها أن يكون فيما يتعلق ببخس وتطفيف في كيل أو وزن والثاني ما يتعلق بغش أو تدليس في مبيع وثمن والثالث فيما يتعلق بمطل وتأخير لدين مستحق مع المكنة وللناظر في الحسبة من سلاطة السلطة واستطالة الحماة فيما يتعلق بالمنكرات ما ليس للقضاة لأن الحسبة موضوعة على الرهبة فلا يكون خروج المحتسب إليها بالسلاطة والغلظة تجوزاً فيها ولا خرقاً والقضاء موضوع للمناصفة فهو بالأناة والوقار أحق وخروجه عنهما إلى سلاطة الحسبة تجوز وخرق أن موضوع كل واحد من المنصبين يختلف فالتجاوز فيه خروج عن حده.
وقال ابن خلدون أن الحسبة وظيفية دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين يعين لذلك من يراه أهلاً له فيتعين فرضه عليه ويتخذ الأعوان على ذلك ويبحث عن المنكرات ويعزر ويؤدب على قدرها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة مثل المنع من المضايقة في الطرقات ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة والضرب على أيدي المعلمين في المكاتب وغيرها من الإبلاغ في ضربهم للصبيان المتعلمين. ولا يتوقف حكمه على تنازع أو استعداء بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه من ذلك ويرفع غليه. وليس له إمضاء الحكم فغي الدعاوي مطلقاً بل فيما يتعلق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها وفي المكاييل والموازين وله أيضاً حمل المماطلين على الإنصاف وأمثال ذلك مما ليس فيه سماع بينة ولا إنفاذ حكم وكأنها أحكام ينزه القاضي عنها لعمومها وسهولة أغراضها فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة ليقوم بها فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لمنصب القضاء وقد كانت في كثير من الدول الإسلامية مثل العبيديين بمصر والمغرب والأمويين بالأندلس داخلة في عموم ولاية القاضي يولي فيها باختياره ثم لما تفردت وظيفة السلطان عن الخلافة وصار نظره عاماً في أمور السياسة اندرجت في وظائف الملك وأفردت بالولاية.
قلنا أن الناس كانوا يتولون الحسبة بأنفسهم عندما تضعف الحكومات لأن مصلحة أهل كل بلد لا تتم إلا بذب ذي بعضهم عن بعض والتواصي بالحق والجري من العدل على عرق.