ضياع وأعطاها من قريتها طا النمل مائتي فدان بغير خراج وانصرف متعجباً من كثرة مروءتها وسعة حالها.
ثم سار حتى وصل الفسطاط عن طريق المطرية وعين شمس متبعاً في ذلك خط السير الذي اتبعه الجيش الإسلامي مع عمرو بن العاص في أيام الفتح في سنة 20 هجرية فدخل الفسطاط يوم الجمعة 9 المحرم سنة 217 وكانت قد بنيت له قبة على الجبل المقطم فنزل فيها وكانت تسمى قبة الهواء وكان مع المأمون فراشون من النصارى فبعدت عليهم الكنائس التي في القصر فاستأذنوا المأمون في بناء كنيسة يصلون بها تكون بالقرب من قبة الهواء فإذن لهم فبنوا من فضلات قبة الهواء كنيسة مرتمريم التي في القنطرة وهي التي عرفت في ما بعد بكنيسة الروم.
وفي أثناء إقامته في الفسطاط أرسل ملك النوبة وفداً إلى المأمون ذكروا عنه أن ناساً من مملكته وعبيده باعوا ضياعاً من ضياعهم لمن جاورهم من أهل أسوان وأنها ضياعه والقوم عبيده ولا أملاك لهم وإنما تملكهم على هذه تملك العبيد العاملين فيها فحول المأمون على عامله بأسوان تحقيق هذه المسألة وأمره بالاستئناس بمعلومات من بها من الشيوخ وأهل العلم فوصل الخبر إلى أهل أسوان الذين اشتروا تلك الضياع وعلموا أن عدل المأمون سينزعها من ايديهم ويردها على صاحبها فأعملوا الحيلة حتى لا يضيع عليهم الثمن الذي دفعوه وتذهب عليهم الأعيان التي تملكوها فتقدموا إلى البائعين من أهل النوبة واتفقوا معهم على أنهم إذا أحضرهم الحاكم المولى من قبل المأمون يقولون بأنهم ليسوا عبيداً لملك النوبة وأن يقولوا بحضرته وبحضرة الشيوخ والشهود والعدول: سبيلنا معاشر المسلمين سبيلكم مع ملككم ويجب علينا طاعته وترك المخالفة له فإن كنتم أنتم عبيداً لملككم وأموالكم له فنحن كذلك. فلما جمع حاكم أسوان بين البائعين وبين رسول ملك النوبة والنائب عنه في هذه القضية المهمة اعتمدوا على هذه الحجج ونحوها مما لقنها لهم أصحاب الحظ والمصلحة في ثبوت البيع ونفاذه فصح البيع لعدم إقرارهم بالرق لملكهم.
هذا وقد أنشأ المأمون أثناء مقامه بمصر جسراً (كوبرياً) يصل بين مصر القديمة وبين جزيرة الروضة وانتقل إلى المنيل فأعجبته هذه الجزيرة الجميلة فبنى بها جامعاً ومقياساً كما ذكره عبد الرشيد صالح بن نوري الباكوبي المولود في مدينة باكو من بلاد الروسيا