الإحساس دليل الحياة
التضامن رائد العمران
(تابع لما قبله)
جاء في عرض كلامي عن الأقباط في الجلسة الماضية أنهم يعاقبة واعتمدت على المقريزي وابن خلدون وسائر المؤرخين. فلم ترق هذه الكلمة في عين حضرة صاحب المجلة القبطية فاستدركها وقال أنهم أرثوذكس. ولكن رأي المقريزي في ذلك يؤيده العلامة القبطي ابن البطريق وقد اعترف حضرته بذلك. فليكن الأقباط أرثوذكساً أو ملكيين أو ملكانيين أو نساطرة أو كاثوليك أو بروتستانت أو يعاقبة أو موارنة أو مرقولية وليقولوا ما شاؤوا في اللاهوت والناسوت والحلول والاتحاد والمشيئة والأقنوم والطبيعة فإنما هم مصريون قبل كل شيء وتلك أمور داخلية وعقائد تعبدية ليس لها مساس بموضوعنا الذي نحن فيه اليوم.
ولكنني لا أترك هذه الفرصة دون الوقوف معه ومناقشته في قوله كان عددهم عند الفتح الإسلامي ثلاثين مليوناً. وغاية ما أقول أن عبارته عليها مسحة من المبالغة الشرقية التي لا مصداق لها سوى الخيال. أنا لا أحب المناظرة لأنني أعتقد أن تولع الشرقيين بها قد أوجب ما نراهم عليه من التقهقر والانحطاط. ولكنني لا يسعني أن أمر على هذه الكلمة بدون احتجاج ولو كانت من غيره لكانت مما لا يؤبه له ولا يعتد به أما وقد صدرت من فاضل مشهور بالتدقيق والتحقيق ومعروف بسعة الاطلاع وكثرة التنقيب فليس له أن يرسل القول جزافاً دون أن يعززه بدليل أو بشبه دليل.
وقال ابن البطريق القبطي أن المقوقس اجتمع مع عمرو بن العاص على عهد بينهم واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر من أعلاها إلى أسفلها من القبط دينارين على كل نفس شريفهم ووضيعهم ممن بلغ الحلم وليس على الشيخ الفاني ولا على الصبي الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا النهى شيء وأحصوا عدد القبط يومئذ خاصة ممن بلغ منهم فكان جميع من أحصي ستة آلاف ألف إنسان فكانت فريضتهم إثني عشر ألف ألف دينار وفرض عليهم هذين الدينارين ودفع ذلك عن رقابهم بالأيمان المؤكدة.