أبي الفرج العبري النصراني) غير دينار واحد وأربعين درهماً. فلذلك أمر أبا الفرج أن يكتب كشفاً ببيان جميع ما يحتاج إليه في تجهيز بناته النصرانيات فكتب من الحلي والقماش والآلات وغير ذلك ما بلغت قيمته ثلاثين ألف درهم. فدفع السلطان هذا الكشف إلى الخزنة دار وأمره بأن يشتري من بيت مال المسلمين جميع ما طلبه أبو الفرج ولا يخل بشيء منه فما هو إلا أن بلغ صاحبنا موفق الدين حتى أخذته الغيرة من زميله فقصر في ملازمة الخدمة وهجر السلطان هجراً ثقيلاً فلم ير صلاح الدين حيلة لاستصلاح موفق الدين سوى إرضائه أيضاً. فأمر الخزنه دار بأن يصرف له من بيت مال المسلمين يوازي جميع النفقة التي صرفت في تجهيز بنات أبي الفرج مهما بلغت قيمتها. ففعل الخزنه دار ورضي صاحب ذلك الدلال.
ومن عجيب أمر موفق الدين هذا أن العجب والتكبر الذي كان يغلب عليه كان يفارقه حينما يذهب لطلب العلم. فكان في هذه الحالة آية في التواضع والخشوع شأن ذوي العقول الصحيحة والأحلام الرجيحة. كان هذا المختل الفخور متى تفرغ من الخدمة في دار السلطان ركب في موكب حافل تحف به جماعة كثيرة من المماليك الترك وغيرهم وذهب بهذه الأبهة الفائقة وهذه العظمة الشائقة إلى جامع المسلمين. فإذا اقترب من الجامع ترجل وأخذ الكتاب الذي يشتغل به في يده أو تحت إبطه. ولم يترك أحداً من الغلمان يصبحه. لا يزال ماشياً والكتاب معه إلى حلقة الشيخ الذي يقرأ عليه النحو والأدب واللغة وهو الشيخ الإمام تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي. فيقرؤه السلام ويقعد بين الجماعة بأدب واحتشام إلى أن يفرغ من الدرس والتحصيل فيعود إلى ما كان عليه الأبهة والعظمة والشموخ على الكبير قبل الصغير.
وقد كان موفق الدين قدوة في هذا الأمر للملك الناصر داود ابن الملك المعظم ابن الملك العادل ابن أيوب صاحب الكرك. فقد حكى النجيب الراهب المصري الحاسب بدمشق أن هذا الملك كان يتردد إلى شمس الدين الخسروشاهي المتوفى سنة 652 يقرأ عليه كتاب عيون الحكمة لابن سينا. وكان إذا وصل إلى رأس المحلة التي بها منزل الخسروشاهي أومأ إلى من معه من الحشم والمماليك ليقفوا مكانهم. ويترجل ويأخذ كتابه تحت إبطه ملتفاً بمنديل ويجيء إلى باب الحكيم ويقرعه فيفتح له ويدخل ويقرأ ويسأل عما خطر له ثم يقوم