فيجدون ذلك أشد الألم ولم يسبقه أحد إلى هذه المعاقبة وكان إذا قال له أحد منهم أيها الوزير ارحمني فيقول له: الرحمة خور في الطبيعة. فلما اعتقله المتوكل أمر بإدخاله في التنور وقيده بخمسة عشر رطلاً من الحديد فقال يا أمير المؤمنين: ارحمني فقال له: الرحمة خور في الطبيعة كما كان يقول للناس. قاله ابن خلكان.
ولما استولى أبو عبد الله الشيخ على فاس سنة 961 قتل الفقيهين أبا محمد الزقاق وأبا علي حرزوز ويحكى أنه لما مثل أبو محمد بين يديه قال له: اختر بأي شيء تموت فقال له الفقيه: اختر أنت لنفسك فإن المرء مقتول بما قتل به فقال لهم السلطان: اقطعوا رأسه بشاقور فكان من حكمة الله وعدله في خلقه أن قتل هذا السلطان به أيضاً. قاله في الاستقصا.
وقال فيه: لما كان من السلطان أبي عبد الله الشيخ ما كان من غزوة تلمسان مرتين وكان يحدث نفسه بمعاودة غزو تلك البلاد جرت المخابرة بينه وبين حكومة السلطان سليمان ولما لم يلتزم الأدب اتفق رأي الوزراء على أن عينوا اثني عشر رجلاً من فتاك الترك وبذلوا لهم اثني عشر ألف دينار لاغتيال الشيخ فما زالوا حتى وصلوا إليه وتعلقوا بخدمته ثم اغتالوه وضربوا رأسه بشاقور ووضعوه في مخلاة فأوصلوا الرأس إلى الصدر الأعظم وأدخله على السلطان فأمر به أن يجعل في شبكة من نحاس ويعلقه على باب القلعة فبقي هناك إلى أن شفع في إنزاله ودفنه ابنه عبد الملك المعتصم وأحمد المنصور.
ومما روى لسان الدين بن الخطيب من فظاظة محمد بن محمد بن يوسف ثالث الملوك من بني نصر أنه هجم لأول أمره على طائفة من مماليك أبيه كان سيء الرأي فيهم فسجنهم في مطبق الري من حمرائه وأمسك مفاتيح قفله عنده وتوعد من يرمقهم بقوت بالقتل فمكثوا أياماً وصارت أصواتهم تعلو بشكوى الجوع حتى خفتت ضعفاً بعد أن اقتات آخرهم موتاً بلحم من سبقه وحملت الشفقة حارساً كان يرأس المطبق على أن طرح لهم خبزاً يسيراً تنقص أكله مع مباشرة بلواهم ونمي إليه ذلك فأمر بذبحه على حافة الجب فسال عليهم دمه. قال ابن الخطيب وقانا الله مصارع السوء وما زالت المقالة عنها شنيعة. والله أعلم بجريرتهم لديه.
وقتل يوسف بن عمر الثقفي أمير العراقيين خالد بن عبد الله القسري على طريقة غريبة