مجله المقتبس (صفحة 1880)

غرائب القصاص

لعل بعض النفوس تتأذى بقراءة هذا الموضوع لأنه يدور على التفنن في إزهاق الأرواح على أنه لا بأس بشيء من القسوة يقوون بها قلوبهم للنظر في موضوع علمي تاريخي كان الإفرنج بعد الحروب الصليبية يستعملون من أساليب القتل كل غريب عجيب وخصوصاً في عهد ديوان التفتيش الديني في البلاد اللاتينية التوتونية حتى إذا كانت سنة 1792 أخذت بعض البلاد ولاسيما فرنسا عن إيطاليا استعمال آلة يسموها المقصلة تحز رأس المجرم في أقل من ثانية ثم أخذوا يبطلون هذه العادات ولما جاء دور الكهربائية أنشأت بعض بلاد الغرب ولاسيما الولايات المتحدة تعمد إلى إصعاق المجرمين بها ولكن تبين مؤخراً أن المصعوق بإجراء مجرى كهربائي عليه لا يقتل في الحال بل أنه يقاسي أشد العذاب عقيب إصعاقه ولا تزهق روحه حقيقة إلا بعد أن تشرح جثته.

وقد قامت الدكتورة روبينوفيتش وحملت حملة منكرة على القتل بالكهرباء قالت: إن كان لا بد من استعمال هذه الطريقة الوحشية فلا أقل من أن يكون فيها شيء من روح الإنسانية بمضاعفة القوة الكهربائية خمسة أضعاف ما يجري الآن ليتم القتل في أقل من لحظة وقد جربت هذه الطريقة في الأرانب فوقع الاستحسان عليها وأخذوا يستعملونها ولكن في عقاب المجرمين والأعضاء المؤلفة من الناس لتسلم بلادهم من شرور الأشرار.

وبعد فما برح البشر منذ عرف تاريخهم يقتل كبيرهم صغيرهم ويأكل قويهم ضعيفهم يعاقب في التنازع على المحمدة والمجد والمال والدين والعروض بعضهم بعضاً وآخر عقوباتهم ونتيجة إرهاقاتهم الموت اخترعوا إلى الوصول إليه طرقاً ترتعد لسماع أخبارها اليوم الأعصاب وتاريخ الشرقيين والغربيين على غرار واحد من هذا القبيل ترى كلما فتحت صفحاته دماء أبرياء تعج من جور الأقوياء على الضعفاء فتبلغ عنان السماء وتتمثل لعينيك الأمم في ذلك كأسنان المشط في الاستواء قلما يختلف شرق عن غرب أو أسود عن ابيض.

فمن خنق إلى حرق إلى شنق إلى ضرب بالعصي والأكف ورمي بالنبال وهبر بالسيف ودسر بالرمح والحراب والقذائف والبارود والديناميت إلى سم وإجاعة وحز رؤوس وبقر بطون وسمل عيون واستلال لسان وصلم آذان وشتر شفاه وقضقضة أعضاء وجذم أكف وقطع أيد وأرجل وأكحل إلى غير ذلك مما يرجع إلى معنى واحد ألا وهو الإرهاق في العقوبة وبلوغ المرء بأخيه ما يقال له الموت. فكما أن للموات عشرات المترادفات في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015