وغيرهم من الشبان الأعزاب والمتجردين ويقدمونه على أنفسهم وتلك هي الفتوة أيضاً ويبني زاوية ويجعل فيها الفرش والسرج وما يحتاج إليه من الآلات ويخدم أصحابه بالنهار في طلب معايشهم ويأتون إليه بعد العصر بما يجتمع لهم فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك مما ينفق في الزاوية فإن ورد في ذلك اليوم مسافر على البلد أنزلوه عندهم وكان ذلك ضيافة لديهم ولا يزال عندهم حتى ينصرف وإن لم يرد وارد اجتمعوا هم على طعامهم فأكلوا وغنوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعتهم بالغدو وأتوا بعد العصر إلى مقدمهم بما اجتمع لهم ويسمون بالفتيان ويسمى مقدمهم كما ذكرنا الأخي ولم أر في الدنيا أجمل من أفعالهم ويشبههم في أفعالهم أهل شيراز وأصفهان إلا أن هؤلاء أحب في الوارد والصادر وأعظمهم إكراماً له وشفقة عليه وفي الثاني من يوم وصولنا إلى هذه المدينة أتى أحد هؤلاء الفتيان إلى الشيخ شهاب الدين الحموي وتكلم معه باللسان التركي ولم أكن يومئذ أفهمه وكان عليه أثواب خلقة وعلى رأسه قلنسوة لبد فقال لي الشيخ: أتعلم ما يقول هذا الرجل فقلت: لا أعلم ما قال فقال لي: إنه يدعوك لضيافته أنت وأصحابك فعجبت منه وقلت له: نعم فلما انصرف قلت للشيخ: هذا رجل ضعيف ولا قدرة له على تضييفنا ولا نريد أن نكلفه فضحك الشيخ وقال لي: هذا أحد شيوخ الفتيان الأخية وهو من الخرازين وفيه كرم نفس وأصحابه نحو مائتين من أهل الصناعات قد قدموه على أنفسهم وبنوا زاوية للضيافة وما يجتمع لهم بالنهار أنفقوه بالليل فلما صليت المغرب عاد إلينا ذلك الرجل وذهبنا معه إلى زاويته فوجدناها زاوية حسنة مفروشة باليسط الرومية الحسان وبها الكثير من ثريات الزجاج العراقي وفي المجلس خمسة متن البياسيس والبيسوس شبه المنارة من النحاس له أرجل ثلاث وعلى رأسه شبه جلاس من النحاس وفي وسطه أنبوب للفتيلة ويملأ من الشحم المذاب وإلى جانبه آنية من نحاس ملآنة بالشحم وفيها مقراض لإصلاح الفتيل وأحدهم موكل بها ويسمى عندهم الخراجي (الجراغجي) وقد اصطف في المجلس جماعة من الشبان ولباسهم الأقبية وفي أرجلهم الأخفاف وكل واحد منهم متحزم وعلى وسطه سكين في طول ذراعين وعلى رؤوسهم قلانس بيض من الصوف بأعلى كل قلنسوة قطعة موصولة بها في طول ذراع وعرض إصبعين فإذا استقر بهم المجلس نزع كل واحد منهم قلنسوته ووضعها بين يديه وتبقى على رأسه قلنسوة أخرى من الزردحاني وسواه حسنة