الهدى ولا مبلغة أهلها رضوان الله إلا ما أكمل لهم من النعمة بالدين الذي شرع لهم وشرح به صدر من أراد هداه منهم ثم لو أن الدين جاء من الله لم يغادر حرفاً من الأحكام والرأي والأمر وجميع ما هو وارد على الناس وجار فيهم مذ بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى يوم يلقونه إلا جاء فيه بعزيمة لكانوا قد كلفوا غير وسعهم فضيق عليهم في دينهم وآتاهم ما لم تسمع أسماعهم لاستماعه ولا قلوبهم لفهمه ولحارت عقولهم وألبابهم التي امتن الله بها عليهم ولكانت لغواً لا يحتاجون إليها في شيء ولا يعلمونها إلا في أمر قد أتاهم به تنزيل ولكن الله من عليهم بدينهم الذي لم يكن يسعه رأيهم كما قال عباد الله المتقون: ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
ثم جعل ما سوى ذلك من الأمر والتدبير إلى الرأي وجعل الرأي إلى ولاة الأمر ليس للناس في ذلك الأمر شيءٌ إلا الإشارة عند المشورة والإجابة عند الدعوة والنصيحة بظهر الغيب. ولا يستحق الوالي هذه الطاعة إلا بإقامة العزائم والسنن مما هو معني في معنى ذلك. ثم ليس من وجوه القول وحده يلتمس فيه ملتمس إثبات فضل أهل بيت أمير المؤمنين على أهل بين (من سواه) وغير ذلك مما يحتاج الناس إلى ذكره ألا وهو موجود فيه من الكلام الفاضل المعروف مما هو أبلغ مما يغلو به الغالون فإن الحجة ثابتة والأمر واضح بحمد الله ونعمته.
ومما ينظر فيه لصلاح هذا الجند ألا يولي أحدا منهم شيئاً من الخراج فإن ولاية الخراج مفسدة للمقاتلة. ولم يزل الناس يتحامون ذلك منهم وينحونه عنهم لأنهم أهل ذاك ودعوى بلاء وإذا خلا بالدراهم والدنانير اجترأ عليهما وإذا وقع في الخيانة صار كل أمر مدخولاً بنصيحته وطاعته فإن حيل بينه وبين رفعته أمرضته الحمية مع أن ولاية الخراج داعية إلى ذلة وعقوبة وهوان. وإنما منزلة المقاتل منزلة الكرامة واللطف. ومما ينظر فيه من أمرهم أن منهم من المجهولين من هو أفضل من بعض قادتهم فلو التمسوا وصنعوا كانوا عدة وقوة وكان ذلك صلاحاً لمن فوقهم من القادة ومن دونهم من العامة.
ومن ذلك تعهد أدبهم في تعليم الكتاب والتفقه في السنة والأمانة والعصمة والمباينة لأهل الهوى وأن يظهر فيهم من القصد والتواضع واجتناب زي المترفين وشكلهم مثل الذي يأخذ به أمير المؤمنين في أمر نفسه. ولا يزال يطلع من أمير المؤمنين ويخرج منه القول ما