كتاب البدء والتاريخ
لم نكد نقرأ مبحث الصنائع الإسلامية الذي نقلناه إلى العربية في هذا الجزء حتى جاءنا البريد من باريز يحمل الجزء الرابع من كتاب البدء والتاريخ لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي الذي نشره المسيو كلمان هوار كاتب تلك الرسالة وأحد أساتذة مدرسة الألسنة الشرقية الحية في باريز مترجماً بقلمه إلى الإفرنسية. أخذه عن نسخة وحيدة في مكتبة الداماد إبراهيم باشا بالأستانة وطبع الأجزاء الأربعة التي صدرت منه إلى الآن نحو ثلثيه وبقي الثلث الآخر.
وقد كان ناشره العلامة يرى أولاً أن الكتاب للبلخي لأن النسخة المنقول عنها كتب عليها اسمه ثم تبين من بعض القرائن التي ذكرها في مقدمة الجزء الثاني والثالث أن الكتاب للمطهر بن طاهر المقدسي المقيم ببست من أعمال سجستان. ساعد على هذا الشك أمور منها أن ابن النديم صاحب الفهرست لم يذكر كتاب البدء والتاريخ في جملة مصنفات البلخي ومنها أن كتاب خريدة العجائب المنسوب لابن الوردي الذي اقتطع منه بعض فقرات من البدء والتاريخ وإن قال انه للبلخي إلا أن أبا منصور الثعالبي في كتابه الغرر في سير الملوك وأخبارهم ذكر كتاب البدء والتاريخ مرتين وقال أنه للمطهر بن طاهر. والثعالبي ثقة لقدمه. فقد كان بعد تأليف البدء والتاريخ بخمسين سنة وابن الوردي كان في القرن التاسع للهجرة. وأن ياقوت الرومي يقول في كتابه معجم الأدباء أن البلخي توفي سنة 322 على حين انتهى هذا الكتاب إلى سنة 355 بيد أن من نسب إليه الكتاب مشهور بين أهل العلم في عصره بالفضل والفلسفة وأحكام النجوم والرحلة وله مصنفات في الجغرافية وغيرها والمطهر بن طاهر غير معروف ولم يعثر له على ترجمة.
وكيفما كان الحال فقد بذل ناشره جزاه الله خيراً من العناية بتصحيحه ما وصل إليه ذرعه مستعيناً ببعض أئمة التاريخ والأدب العربي من علماء المشرقيات في أوروبا أمثال كوي الهولاندي وغولدسير المجري ومرجليوث الإنكليزي ودارنبورغ وبارييه دي مينار الفرنسويين. كل هذه العناية وقد اعتذر عن نفسه وعدّ منها الجرأة أن ينشر كتاباً من القرن الرابع منقولاً عن نسخة مخطوطة واحدة فقال أنه لم يرَ بداً من نقل العبارة بنصها وعلى