أغمض عينيه وعاد الفالج فاستولى عليه فجأة وارتعشت أعصابه وأخذت عينه تتجه صوب حفيده قائلاً: مار. . . مار. . ماركوس! فأجابه الطفل: ها أنذا يا جدي فقال وما تصنع؟ فأجابه: لا شيء يا جدي.
ثم ظهر كأن عينا كريمور خرجتا من محجرهما وأكمد وجهه وقال بصوت لا يفهم: الفا. . . حنا! ثم عانى كثيراً وحشرجت روحه وتقلصت شفتاه وحدق بعينيه في السقف وراح لا حراك به. فتقدم كل من مريم وماركوس نحو سريره. فقالت المرأة: لقد مات! فوقع الولد من الصندوق الذي كان جالساً عليه ووضع يديه على وجهه وشهق بالبكاء كأن صدره أوشك أن يتصدع. ما مريم فكانت تنظر إلى تلك الجثة الهامدة ولا فكر لها إلا أن تطمئن وتتأكد أنه مات حقيقة. ولما ثبت لديها موته ألقت بيدها إلى تحت مخدته وتناولت حزيمة المفاتيح ثم أغلقت باب المسكن ودخلت على حين غرة إلى الغرفة التي كانت فيها الخزانة وفتحتها. وصرفت وقتاً في معرفة كل مفتاح وجراره إلا أنها تمكنت من ذلك بعد العناء ولما فتحتها قالت والغضب آخذ منها: فارغة كلها فارغة لعنة الله عليها كلها فارغة.
ورأت في أسفل إحدى الجرار بضعة نقود ذهبية وفضية فأخذتها ووضعتها في جيبها وهي تنظر إلى خلفها مخافة أن يباغتها أحد. ثم نظرت ذات اليمين فبصرت بصندوق فبرقت لرؤيته أسارير جبهتها وقالت كنت على أن أنساه ولعل فيه الخير الكثير وبعد أن عاجلته طويلاً فتح لها ولكنها لم تجد فيه غير كتاب التفسير. فقالت وقد استشاطت غضباً ما هذا الكتاب العتيق وما السر يا ترى في إخفاء هذا الكتاب في الصندوق الكبير فما عتمت أن أخذته وألقته طعاماً للنار وأغلقت الخزانة وعادت إلى غرفة الميت فرأت ماركوس ينتحب ويبكي فوضعت حزيمة المفاتيح تحت مخدة كريمور وخرجت تاركة الباب وراءها مفتوحاً قليلاً وذهبت إلى المخزن تنادي المستخدمين قائلة أن معلمكم قضى نحبه فتعالوا أعينوني حتى نقوم بما يجب إكراماً له فهبوا إلى غرفة الميت أما هي فاقتربت من ماركوس وانحنت عليه بحنان وأخذته إلى ناحية وقالت له: لا تبك يا بني ثم أنشأت تمر يدها على خديه وجعل الولد يتمسك بعنقها فقال له بصوت كئيب: مات المحسن إلينا فيا له من خطب جسيم يا ماركوس عزاؤنا في أننا سنراه في السماء فالله رحيم وهو سيتفضل علينا ذات يوم أن نشاهد من أسدى إلينا أياديه. وما جدك يا ولدي إلا مع الأبرار في السموات العلى!