مجله المقتبس (صفحة 1588)

على الناس ويكفيه على الدوام أن يزيد أعماله وأرباحه.

وبديهي أن كريمور لم يكن محبوباً في بلدة آييري إذ كان زبنه يعرفون كيف يعاملهم قبل أن يدخلوا مخازنه التي كانت قطعة من جهنم. ولقد شكا الناس كلهم من حاله إلا أن الفقراء كانوا أحق بالرثاء من غيرهم من السكان. وزد على ذلك فإن كريمور تولى منذ زمن طويل زمام جمعية الإحسان العام وأصبح يجز صوف الفقراء ويختلس الأموال المجموعة لإعالتهم والإدرار عليهم حتى لقد شاع على الألسن بأن ليس في آييري بائس يلجأ إليه إلا ويرجع من لدنه أفقر مما أتاه وكان من مبدأ كريمور أن الفقر مفسدة أبداً وأن المحاويج كلهم من الكسالى والمسرفين وكل من يطلب معونته يعامله أسوأ معاملة فلا يعود إليه بعدها مهما برحت به تباريح الفقر المدقع. ومن أخباره أن بعض البائسين مدوا أيديهم إليه يستنجدون نواله فضربهم عليها ضربة كسرها وبقي أثر الكسر بادياً عليها. بيد أن المضروبين ما قط شكوا أمرهم لأحد. وذلك لما وقر في نفوسهم من أن دعواهم عليه لا تسمع لأنه غني وتجارته ناجحة. فالقضاء إن لم يكن له فلا يكون عليه من أجل مظهره.

ومما لا شك فيه أن كريمور كان آية في نشاطه لا ينازعه في ذلك منازع يعمل حتى يكاد يتصبب عرقاً كما يعمل الوحش الضاري وقد قبض بكلتا يديه على فريسته. فيباكر بكور الزاجر إلى مخزنه قبل جميع مستخدميه ويخرج منه بعدهم كلهم ويتعب تعباً لا مزيد عليه بحيث لو جمع تعبه وقيس بتعب بضعة أفراد من مستخدميه لرجح تعبه لات محالة. فكان يضع بيده المعاجين ويكيل بيده الخمر ويزن القهوة ويخاطب الفلاحين ويمسك دفاتره بيده ليقيد فيها ولم يكن بحاجة إلى التقييد والحساب لأنه يأخذ ما يشاء وهو لم يتعلم ولا يحسن الكتابة إلا قليلاً. ولا يمنعه ذلك من أن يضع بيده الصوف والشحم في ميزان ويدفعه بيده قليلاً ليرجح ومن العادة أن يطالب المبتاع أن يحسن الكيل والوزن ولكنه إذا طالب بذلك يضحك منه كريمور ويجيبه باسماً رافعاً كتفيه أو مردداً بعض الألفاظ، فإذا ذهب الزبون يلتفت كريمور إلى مستخدميه ويوعز إليهم أن يستعملوا الكيل والميزان كما يستعملهما هو ويريدهم على أن يطففوا ويتلاعبوا ويقول لهم أن مهارتهم في ذلك متوقفة على حسن التخلص بلباقة. ومع هذا فقد كان قاسياً من وراء الغاية في معاملة مستخدميه وقد يقعد أحد منهم عنده زمناً مع أنه من الصعب إيجاد تجار آخرين يخدمونهم إذا خرجوا من محله وما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015