5 ـ ويتلوه كتاب ذخائر الحكمة تأليف أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي وهو في نحو ثلاث وعشرين ورقة.
6 ـ مختصر من كتاب جاويدان خرد في حكم الفرس والهند والروم والعرب تأليف أحمد بن مسكويه وهو أكثر من كراس.
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فإن لكل مخلوق حاجة ولكل حاجة غاية ولكل غاية سبيلاً والله وقت للأمور أقدارها وهيأ إلى الغايات سبلها وسبب الحاجات ببلاغها فغاية الناس وحاجاتهم صلاح المعاش والمعاد. والسبيل إلى دركها العقل الصحيح. ومارة صحة العقل اختيار الأمور بالبصر. وتنفيذ البصر بالعزم. وللعقول سجيات وغرائز تقبل الأدب وبالأدب تنمي العقول وتزكو فكما أن الحبة المدفونة في الأرض لا تقدر على أن تخلع يبسها وتظهر قوتها وتطلع فوق الأرض بزهرتها ونضرتها وريعها ونمائها إلا بمعونة الماء الذي يغور إليها في مستودعها فيذهب عنها أذى اليبس والموت ويحدث لها بإذن الله القوة والحياة فكذلك سليقة العقل مكنونة في مغرزها في القلب لا قوة لها ولا حياة بها ولا منفعة عندها حتى يعتملها الأدب الذي هو نماؤها وحياتها ولقاحها. وجلُّ الأدب بالمنطق وكل المنطق بالتعلم ليس حرف من حروف معجمه ولا اسم من أنواع أسمائه غلا وهو مروي متعلم مأخوذ عن إمام سابق من كلام أو كتاب وذلك دليل على أن الناس لم يبتدعوا أصولها ولم يأتهم علمها إلا من قبل العليم الحكيم. فإذ خرج الناس من أن يكون لهم عمل أصيل وأن يقولوا قولاً بديعاً فليعلم الواصفون المخبرون أن أحدهم وإن أحسن وأبلغ ليس زائداً على أن يكون كصاحب فصوص وجد ياقوتاً وزبرجداً ومرجاناً فنظمه قلائد وسموطاً وأكاليل ووضع كل فص في موضعه وجمع إلى كل لون شبهه مما يزيده بذلك حسناً فسمي بذلك صائغاً رفيقاً. وكصاغة الذهب والفضة صنعوا فيها ما يعجب الناس من الحلي والآنية. وكالنحل وجدت ثمرات أخرجها الله طيبة وسلكت سبلاً جعلها الله ذللاً فصار ذلك شفاء وطعاماً وشراباً منسوباً إليها مذكوراً به أمرها وصنعتها فمن جرى على لسانه كلام يستحسنه أو يستحسن منه فلا يعجبن به إعجاب المخترع المبتدع فإنه إنما اجتباه كما وصفناه.
ومن أخذ كلاماً حسناً عن غيره فتكلم به في موضعه على وجهه فلا يرين عليه في ذلك