وكانت ثيبة عاصمة ومدينة مقدسة ومقر الملوك ومسكن الكهنة نحو ألف وخمسمائة سنة.
فرعون - يعتبر ملك مصر المعروف بفرعون ابن رب الشمس ومثاله على الأرض ويزعمون أنه كان هورباً. وقد شوهدت صورة الملك رعمسيس الثاني جالساً بين ملكين. فالملك يتعبد إنساناً ويعبد ملكاً ولفرعون سلطة مطلقة على البشر لربوبيته فيحكم حكم المولى على كبار سادات قصره وعلى المقاتلة ورعاياه كافة والكهنة في عبادتهم إياه يلتفون من حوله ويحرسونه فيكون رئيسهم الكاهن الأعظم للرب عمون المستأثر بالحول والطول دونه وقد يحكم باسم الملك ويخلفه في الأحايين.
الرعايا - يملك مصر من أعلاها إلى أسفلها الملك والكهنة والجند والموالي وما عداهم فوصفاء يستخدمونهم في حرث الأرض وعمال الملك يلاحظونهم ويقبضون ثمار عملهم بضرب العصي أحياناً وإليك ما كتبه أحد هؤلاء الموظفين إلى صديق له: ألا تذكر حالة الفلاح الذي يحرث الأرض فإن جابي الأموال يقف على الرصيف المعد لجباية عشر الغلات وثلة من العمال بعصيهم يتبعونه وزنوج ماسكون بأيديهم سعفات النخل يصرخون بصوت واحد: البدار البدار إلى تسليم الحبوب. وإذا لم يكن للفلاح ما يؤديه من الغلات يلقونه على الأرض ويشدون وثاقه ويجرونه في الترعة رأسه إلى تحت وقدماه إلى فوق.
كيفية حكم مصر - كان الشعب المصري أبداً ولم يزل بعد فرحاً لا يهتم خاضعاً خانعاً أشبه بالطفل المستسلم إلى ظالمه. وكانت العصافي هذه البلاد أداة التربية والحكومة حتى كان أعوان الملك يقولون: (خلق ظهر الفتى ليضرب فهو لا يمتثل الأمر إلا إذا ضرب) ذكر أحد سياح الفرنسيين أنه كان واقفاً ذات يوم أمام خرائب ثيبة فهتف قائلاً: ليت شعري كيف بنوا كل هذا. فاستضحك دليله وقال ماسكاً بيده مشيراً إلى نخلة: بهذه بنوا هذا أجمع اعلم يا مولاي أنه إذا كسرت مائة ألف سعفة من سعف النخل على ظهر من أكتافهم عريانة أبداً تبنى قصور كثيرة ومعابد.
اعتزال المصريين - قلما خرج المصريون من بلادهم لما أنهم حاذروا ركوب البحر ولذلك لم تكن لهم ملاحة وما اتجروا والشعوب الأخرى ولم تعرف لهم بحرية إلا على عهد الدولة السادسة والعشرين وما كانوا أمة حربية قط. ولقد قاد ملوكهم الجند في حروبهم واتخذوا القتال دينهم فبعثوا البعوث إلى زنوج الحبش تارة وإلى القبائل السورية أخرى فإذا غلبوا