الاغلب والجرائد هي السبب في غرس هذا الميل في نفوس القوم فهي المدرسة اليومية بعد المدارس الأميرية والأجنبية والكتاتيب الأهلية ولطالما أكثرت من ترديد عبارات التحميس والنقد والتنديد والنعي والعويل ففعلت اقوالها في الاذهان بقدر تأثير كتابها حتى خاف العقلاء أن تكون الاراء السياسية مشغلة للقوم عن النظر في شؤن التجارة والزراعة والصناعة. وقد أخذت بعض الجرائد الخطيرة تحاول سد هذه الثملة فإنشأت تكثر من نشر الموضوعات الاجتماعية والتاريخية والأدبية على نحو ماتفعل الصحف في بلاد الغرب. وكما كان للجرائد العربية تأثير في الأفكار فقد فعلت فعلتها في الألسن والأقلام بإستعمالها الكلام الفصيح كل يوم بحيث علق من تراكيبها ومطلحاتها جملة صالحة صار العامة يدمجونها في تضاعيف كلامهم وخطابهم وترقت بواسطتها لغة الدواوين وكانت من قبل في احط دركات الركاكة.
نشأ لمصر مهندسون وأطباء وقضاة متعلمون كأحسن أبناء صنفهم في بلاد الغرب لولا أن رجالنا يصابون في الأكثر بشيئ من الفتور ووقوف عقيب سن الدراسة قد يعوقهم ةعن الجري في العمل بعد أن يستوفوا النظريات ولولا ذلك لرأينا من أثارهم في نشل أبناء بلادهم من سقطتهم أكثر مما رأينا. وأبناء مصر لايزالون مقصرين فيما يربى النفوس على حب العمل الحر النافع ولم يقبلوا حتى الآن على اتقأن العلوم الزراعية والصناعية وما ينبعي لهم إقبالهم على الحقوق مع شدة حاجة القطر إلى الزراعة قبل كل علم.
ويسرنا أن نرى كثيرين من المصريين يقصدون بلاد الغرب للتعلم قي مدارسها وبعضهم من أبناء الاعيان وكيفما كأنت الغاية من تعلمهم فهم فخر من مفاخر بلادهم ولابد أن يكون السابقون مقصرين فيما يجب عليهم أتباعه والاضطلاع به بداءة بدء ولكن الجيل المقبل سيكون انشط في عمله واسراع إلى تلقف مايلزمنا من مدنية أوروبا وما يضر بنا منها وهو كالصدأ عليها وعقلاء أهلها ينادون بالتخلي عنه في كل شارقة وبارقة.
قلت أن الجرائد أثرت في نهضة المصريين ولم أقل المجلات لأن هذه مقصورة على طبقة خاصة من القراء وبعضها منتشر خارج القطر أكثر من انتشاره داخله لأن العمليات والاجتماعيات والدينيات والأدبيات ليس لها في نفوس العامة تلك المنزلة التي يجدها القارئ فيما يقرأه للتفكهة من الأخبار والمناقشات السياسية ويجده منه قيد النظر ويكبر فيه