مجله المقتبس (صفحة 1297)

غلاة الكتب

لله اخوان افادوا مفخراً ... فبوصلهم ووفائهم اتكثر

هم ناطقون بغير السنة ترى ... هم فاحصون عن السرائر تضمر

ان ابغ من عرب ومن عجم معاً ... علماً مضى فبه الدفاتر تخبر

حتى كاني شاهد لزمانها ... ولقد مضت من دون ذلك اعصر

خطباء أن ابغ الخطابة يرتقوا ... كفي ركفي للدفاتر منبر

كم قد بلوت بها الرجال وإنما ... عقل الفتى بكتاب علم يسير

كم قد هزمت به جليساً مبرماً ... لا يستطيع له الهزيمة عسكر

ليس في الدنيا منظر تنصرف إليه الوجوه ولا صورة تحدق فيها العيون ولا نفحة ترتاح إليها الارواح وتخاطبها القلوب ولا صديق اخلص من ذاك الكتاب تودعه سرك فلا يخونك وتبوح إليه بذات نفسك فيحفظ غيبتك ويطرب حضرتك. ليس في صنائع البشر مثل هذه الاوراق الثمينة التي قد يجهد كاتبها في تسويدها نفسه ويصرف عليها أيامه واعوامه رجاء نفع يرتجى وعقل يرتقي وجهالة تضمحل وذكر يخلد ومحمدة تردد. نعم ليس افعل في القلوب من الكتاب يعيد مظلمها مستنيرا وميتها حياً ويجعل بعد عسر يسرا. فبالكتب تحيا الأمم وترتفع إلى ذرى المجد والسؤدد بالصحف تأنس النفوس المستوحشة وتنبسط الصدور المنقبضة.

وماذا عسانا نقول في وصف الكتاب بعد أن قرأ القارئ ما قرأ في صدر هذا الجزء من قول الجاحظ سيد العلماء ورأس الحكماء وإنما نقول هنا على الجملة إن قد كثر المولعون في جميع الكتب قديما بكثرة أسباب الحضارة بحيث لو أراد المرء إحصاء من ولعوا بذلك من العرب ووصف شيء من حالتهم لا قتضى ذلك كتاباً برأسه. فبلغ من عناية الملوك بالكتب وجمعها أن حمل المأمون إلى بغداد من الكتب المخطوطة ما يثقل مائة بعير وكان من شروط صلحه مع ميشيل الثالث أن يعطيه مكتبة من مكاتب الاستانة. قيل إن عدد مجلدات خزانة المأمون كان ستمائة الف وأن فهرستها دخلت في أربعة وأربعين مجلداً وقيل ذلك في مكتبة الخلفاءبالأندلس. وانشي بيت الحكمة في بغداد على عهد الرشيد في غالب الاقوال وكان يجتمع فيه النساخ والمؤلفون والمترجمون والمطالعون. اما دار الحكمة او دار العلم في القاهرة فكانت فيها خزانة انشأها الحاكم بأمر الله وحمل إليها الكتب من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015