زعم بعض متأخري المؤرخين أن عمر بن الخطاب (رض) أوعز إلى عمرو بن العاص لما فتح المسلمون مصر أن يحرق مكتبة الإسكندرية وكان فيها مؤلفات الحكماء الأقدمين فانقطع بذلك سند العلوم والصنائع والاختراعات التي عرفت وبعبارة ثانية محيت المدنية القديمة وعاد العالم في جهالة جهلاء. مسألة شغلت بال الباحثين والمفكرين. وقد ألف أحد أفاضل الأستانة محمد منصور كتاباً بالتركية سماه مكتبة الإسكندرية وذلك عقيب مناقشة دارت بينه وبين بعض كتاب تلك العاصمة في إحدى المجلات العلمية التركية منذ نحو أربعين سنة. فتصفحت الكتاب وعربت بعض صفحاته المتعلقة بحريق هذه المكتبة وهاك ما قاله ملخصاً:
هلك اسكندر المكدوني فانقسمت مملكته بين قواده واستولى على مصر بطليموس سوتير وكان محباً للعلوم والمعارف وإذ رأى تفرق حكماء اليونان ايدي سبا بما دهم بلادهم من زوال العلم وعفاء المدنية دعاهم إلى حماه فأتوه ومعهم بقايا من الكتب المنوعة فأحسن وفادتهم ووفادتها وأقام لحفظ هذه المصنفات مكتبة بالقرب من معبد السرابيوم علوها مائة قدم وهي قائمة على جبل صناعي وسط مدينة الإسكندرية. وروى بعض المؤرخين أن هذا الملك أحدث في قصره مكتبة أخرى جعل في الأولى أربعمائة ألف مجلد وفي الثانية ثلاثمائة ألف.
ولقد ظلت مكتبة الإسكندرية بعناية بطليموس وأخلافه مرجع أهل العلم وكهف حفدة المعارف إلى سنة سبع وأربعين ق. م وقد أبدى مالتابرون في جغرافيته والمجمع العلمي الذي ألف في فرنسا للبحث عن الأبنية القديمة الدائرة وجغالديغي في تاريخه العام وسائر كتب تواريخ رومية الأسف الكثير لحريق هذه المكتبة برمتها عقيب فتنة نشأت من افتتان أحد قياصرة رومية بملكية مصر كليوباترة المشهورة بجمالها وذلك لما استحال حكم رومية إلى الملوكية وأخذ القيصر يطارد عدوه بومبيس حتى بلغ الإسكندرية وهنا جرى بينه وبين كليوباترة أمور أدت إلى إحراق تلك الكتب المنوعة التي بذل النفس والنفيس في استجلابها منذ تأسيس المكتبة إلى أن نعق في أرجائها غراب الدمار.
واختلفت روايات المؤرخين في عدد أسفار هذه المكتبة وأكد بعضهم أن الكتب التي أثرت عن حكماء اليونان وحدهم تبلغ سبعة آلاف مجلد وهو عدد فيه نظر إذا أحصينا ما تنتجه