والمشقة وسوء الحال ماعسى أن يكون لا يمكن الأخبار عن مقداره الا بالكلام الكثير.
وسمعت محمد بن الجهم يقول: إذا غشيني النعاس في غير وقت النوم تنأولت كتاباً فاجد اهتزازي للفوائدوالاريحية التي تعتريني من سرور الاستنباه وعز التبينت أشد ايقاظا من نهيق الحمار وهدة الهدم فإني إذا استحسنت كتاباً واستجدته ورجوت فائدته لم أوثر عليه عوضاً ولم ابغ به بدلاً فلا ازال انظر فيه ساعة كم بقي من ورقه مخافة استنفاذه وانقطاع المادة من قبله. وقال ابن داحة: كان عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب لا يجالس الناس فنزل مقبرة من المقابر وكان لا يزال في يده كتاب يقرؤه فسئل عن ذلك فقال لم ار قط اوعظ من قبر ولا أنس من كتاب ولا اسلم من الوحدة.
واهدى بعض الكتاب إلى صديق له دفتراً وكتب معه: هديتي أعزك الله تزكو على الانفاق وتربو على الكد لا تفسدها العواري ولا تخلقها كثرة التقليب وهي انس في الليل والنهار والسفر والحضر تصلح للدنيا والاخرة تؤنس في الخلوة وتمنع من الوحدة مسأمر مساعد ومحدث مطاوع ونديم صدق. وقال بعض الحكماء: الكتب بساتين العلماء. وقال آخر: الكتاب جليس لا مؤونه له. وقال آخر: ذهبت المكارم الأمن الكتب.
قال الجاحظ وانا احفظ وأقول: الكتاب نعم الذخر والعقدة والجليس والعمدة ونعم النشرة ونعم النزهة ونعم المشتغل والحرفة ونعم الانيس ساعة الوحدة ونعم المعرفة ببلاد الغربة ونعم القرين والدخيل والزميل ونعم الوزير والنزيل. والكتاب وعاء مليء علماً وظرف حشي طرفا واناء شحن مزاجاً إن شئت كان أين ماقال وإن شئت كان ابلغ من سجبان وائل وإن شئت سرتك نوادره وشحك مواعظه ومن لك بواعظ مثله ويناسك فاتك وناطق اخرس ومن لك بطبيب اعرأبي ورومي هندي وفارسي يوناني ونديم مولد ونجيب ممتع ومن الك بشي يجمع لك الأول والاخر والناقص والوافر والشاهد والغائب والرفيع والوضيع والغث والسمين والشكل وخلافة والجنس وضده.
وبعد فما رأيت بستانا يحمل في ردن وروضة تنقل في حجر ينطق عن الموتى ويترجم عن الاحياء ومن لك بمؤنس لا ينام الا بنومك ولا ينطبق إلا بما تهوى آمن من الأرض واكتم السر من صاحب السر واحفظ للوديعة من أرباب الوديعة ولا اعلم جاراً آمن ولا خليطاً وانصف ولا رفيقا اطوع ولا معلماً أخضع ولا صاحبا اظهر كفاية وعناية ولا أقل