من وحشة خأمرت عامتهم من أجل عدوان رجل منهم على يهودي زعم أنه سب الشريعة فبطش به المسلم وسط السوق وجرحه وحرك عليه العامة فقبض عليه صاحب المدينة عبد الله بن سلام واعتقله فكان لعامة الناس في إنكار حبسه كلام وإكثار فخاطب السلطان بقرطبة بما كان منه ويستأمره في شأنه فعجل انفاذ ولده الحاجب سراج الدولة إلى إشبيلية في جيش كثيف من نخبة غلمانه ووجوه رجاله لمشارقة القصة والاحتياط على العامة وانفذ معه ذا الوزارتين أبا الوليد بن زيدون أحد الثلاثة كابري وزرائه المثناة وزارتهم مع الحاجب على بقية وعك كان متألماً منه ولم يعذره في التوقف من اجلها فمضى لطيته مسوقاً إلى منيته وخلف ولده ابا بكر الفذ الوزارة المرتسم بالكتابة وراء ساداً مكانه بالحضرة فأقر فيها أياماً ثم أمر بالمسير وراء والده لأمر كلفه فعجل بالانطلاق له فمضى غداة يوم السبت من ثمان خلون من المحرم سنة ثلاث وستين فخلت منهم منازلهم بقرطبة وصيرت على سواهم فتحدث الناس بيبو مكان الأديب ابن زيدون لدى السلطان وبما جرى من الحظيين لديه ابن مرتين وابن عمار في ابعاده وابعاد ابنه واحتوائهما على خاصة السلطان وتدبير دولته ولم يطل الأمد بابن زيدون بعد لحاق ابنه به ووجدانه إياه متزايداً في مرضه نازحاً عن ألافه على جهد في استدعائها على أنتهاء المدة وانتهاك القوة فاستقر به وجعه إلى أن قضى نحبه وهلك بدار هجرته إشبيلية صدر رجب سنة ثلاث وستين فدفن فيها مشهوداً مفتقداً واحتوى تربها عليه فيا بعد ما بين قبره وقبر ابنه لدينا رحمة الله عليهما.
ولقد اتصل خبر هلكه بعشيرته أهل قرطبة فتنازعوه وسيئوا لفقده وحزنوا عليه إذ كان منهم متعصباً لهم هاوياً إليهم حدباً عليهم والبقاء لمن تفرد به وحده. وقد عزى اخوانه عنه امتداد بقاء فتاه الندب أبي بكر ولده بعده ساداً ثلمه سامياً مسماه غائطاً عداه عاطياً منتهاه مع شماخة ودماثة وحصافة ونزاهة ومعرفة ووفور حظ من أدب بلاغة وكتابة وشركة في التعاليم المعلية واشتداد في رعاية متقادمي الذمة لم يفقد اخوان أبيه معها الا عينه هو.
اما شعره فمعروف سائر على الألسن. وقد افضنا في الكلام على ديوانه في غير هذا الموضع من هذا الجزء. واما نثره فقليل في الايدي لم يشتهر منه غير رسالتين مفردتين لم ينسج ناسج على منوالهما إحداهما رسالته في التنكيت على احد وزراء عصره وهي التي