ويخطئ من يقول أن الجمال وتناسب الأعضاء موجدان في أولاد الفقراء لأن الجمال والقوة والنشاط تابعة لسعة العيش أبداً ولاسيما لحالة الأم وإن وجد جمال في أبناء الفقيرات وبناتهن فإنه عرض زائل يذبل لأول نضارته وأقل تعب ينالهم. وتكثر الأسقام والموت في الفقراء أكثر من كثرتها بين الأغنياء وذلك لأن الفقير عرضة للأمراض أكثر بالنظر لتركيبه فلا يقوى على مقاومتها ولان معيشته شاقة. وخالف من يقول بان تشويه وجوه الفقراء وسحناتهم ناتج من تعاطيهم بعض الصنائع وأثبت بأن ذلك خلقي فيهم وأن للفقر والانحطاط الطبيعي وما يلحق بذلك من التبدلات والاضطرابات في التغذية يداً كبيرة في التأثير في الطفل قبل أن يحيا. وتكلم على الأخلاق النفسية من الإحساس على اختلاف أنواعه والعواطف الأدبية والتأثرات والذكاء فقال أنها في الفقراء أقل مما هي في الأغنياء واذ يتأخر ابن الفقير في نموه فهو لا يبلغ أشده بدون مساعدة شروط كثيرة من التعليم والمحيط المرتقي والرفاهية الطبيعية والاقتصادية وهو مما لا يحلم أن يراه من كانوا في أدنى سلم الاجتماع. ولئن نشأ من الطبقة النازلة أناس يكذبون هذه القضية كانوا من خيرة العقلاء والأذكياء ولكنهم قلائل جداً لأن الأسباب الصحية والاقتصادية تؤثر في بنية الإنسان وعواطفه وعقله ولاسيما في ذكائه ونبوغه وليس الذكاء والنبوغ مما يستفيد من المحيط بل هما خلقة في المرء. ومما لا ريب فيه أنه كلما كثر في عنصر الانحطاط العقلي والانحطاط المعاشي لا ينشأ وسطه إلا أناس ضعيفة عقولهم منحطون عن غيرهم من أهل السعة.
بحث الباحثون في خصائص الشعوب والأجناس والقبائل ولم يبحثوا كثيراً في خصائص الطبقات الاجتماعية في امة واحدة. وما الخصائص التي تميز طبقتين من طبقات شعب واحد غنية وفقير إلا بأكثر تبايناً حتى بين أهل البلد مما هي بين امة في القاصية وامة في الدانية وثبت للباحث بالبراهين المدققة أن الاختلاف في الولادة والموت وسن الزواج والأمراض وغيرها بين البارزين الفقراء وبين أهل طبقتهم من سكان فينا أقل مما هو بين سكان مملكتي إيطاليا ونروج مثلاً وأن الاختلاف يكثر بين طبقتي الفقراء والأغنياء من أهل البلد الواحد ولا يكثر على تلك النسبة بين شعبين متباينين بلغتيهما وأصلهما بعيدين أحدهما عن الآخر مئات من المراحل. والتمدن يبدو في الطبقات النازلة مهما ارتقت بلادهم