ولكن تجيء الأيام تلو الأيام والأسابيع تلو الأسابيع والشهور عقيب الشهور والنفس لا ترجع عن غيها وغلوائها.
ولقد أنشئت في إنكلترا وأميركا جمعيات دعيت جمعيات الاعتدال بغية إنقاذ العامل بل اضطراره إلى عدم إهمال العمل وسوء استعمال أوقات فراغه فأسفرت هذه الجمعيات عن بعض النجاح فيقضى على من يريد الانخراط في سلك هذه الجمعيات أن يقسم إيماناً مؤداه أن يتخلى عن استعمال أي شراب من المسكرات كان. ولكن حظر استعمال شيء حسن في ذاته ليكون المرء على ثقة من سوء استعماله معناه قلة الثقة بنفسه ومن المتعذر أن يكون لامرئ لا يعتبر نفسه ويثق بها من القوة أن يتغلب حيناً من الدهر على سلوكه فيجعله تبعاً لإرادته وإرادته تبعاً لكلامه. ولذلك ترى هذه الجمعيات عرضة للسقوط كثيراً لأنه لو لم يكن للمرء من نفسه وازع يقيه المضال والانغماس في حمأة السفاهة ليس لجمعية أن تناله منه بمجرد حلف يمين والقيام بمظاهر عظيمة.
لا تنتهي الأنفس عن غيها ... ما لك يكن منها لها زاجر
ومن استنار عقله بنور العقل الصحيح هيهات أن يحيد عن الجادة المثلى ويتعدى حدود الأدب واللياقة. ومن الشبان من يأتون المنكر فيقولون هذه المرة الأخيرة ونحن لا نأتي منكراً بعد. فهلا قالوا مثل هذا القول من قبل وصرحوا بأنهم لا يأتون المنكر ولا هذه المرة أيضاً فما هو إلا أن تستلب هذه المنكرات من أرباب العقول عقولهم حتى إذا أراد أحد المتلبسين بها أن يرجع عنها بعد أن تكون نفسه مجتها يتعذر عليه ذلك. تعرف هذا من عملة انقطعوا عن أعمالهم أياماً وراحوا يقضون أوقاتهم في القصف والسكر فتراهم بادئ بدءٍ قد وجدوا شيئاً من النشاط إن صح أن يسمى نشاطاً حتى إذا اليوم الثاني تصفر ألوانهم وتنقطع أيديهم عن كل عمل فيصبحون باهتين شاخصين ثم لا يلبثون أن يعربدوا ويصخبوا وربما طالت أيديهم بالتعدي على أبناء السبيل تدفعهم إلى ذلك عوامل الخمار.
إلا وأن سوء السلوك لتستوحش منه النفوس ويفسد القلوب بما يصحبه من الإفراط الذي ينهك الصحة فيعجل الهرم ويهيئ السبل للأمراض العضالة. إفراط تتلبس به النفس فيقودها من ضلال إلى آخر حتى يتناسى صاحبها ما يقضي به الشرف ويحيد حياداً ظاهراً عن مهيع الشرائع. وعقاب سوء السلوك بسيط فهو يميت القلب ويقتل في صاحبه التوبة