فإنتهت كلها بخراب بيته وإفلاسه حتى باع أملاك زوجه واضطر إلى التوظف فصار للحال والياً لقازان. ذكروا لي أن جدي لم يكن يقبل الرشى ما خلا رشوات من عملة الأكحول وهي الرشوة التي ما كانت تستنكر إذ ذاك في كل ناحية من أنحاء الأمبراطورية الروسية ولكن قيل لي أن جدتي كانت تقبل الرشوة بدون اطلاع جدي وهكذا دامت الحال حتى زوجت ابنتها الثانية في قازان والبكر في بطرسبرج من أحد الإشراف وبعد أن قضى زوجها نحبه سكنت جدتي لدى والدي في اياسنيا بوليانا وهناك أدركتها شيخه عجوزة وكانت تحب والدي وأولاده وتتلهى بنا كما تتلهى بخالاتي. وظهرانها لم تكن تحب والدتي لأنها كانت تحب جدتي دون قدر والدي وتحسدها على حب والدي لها. وأذكر أن جدتي ساحتنا معها إلى موسكو وأهم ما يخالج فكري من ذلك ثلاثة مشاهد. المشهد الأول عندما كانت جدتي تغسل يدها بالصابون فتخرج منها فقاقيع كنت أدهش وأسر بمرآها وأذكر يديها البيضاويين ووجها الناصع الباسم. والمشهد الثاني أيام كنا نذهب إلى غابة البندق ونجنيه في صحبة مؤدبنا وكانت جدتي تصطحبنا في عجلتها والخادم يجر إليها الأغصأن الميلاء لتقطف بندقها وتضعه في كيس أمامها وأذكر قوة معلمنا في جره الأغصأن الكبيرة من أدواح البندق وتلك الظلال الوارفة والحر الشديد وسط الغابة والهواء البليل في الظل وتناوح أشجار الغاب ورائحتها وكيف تأكل الفتيات اللاتي كن معنا البندق على طراوته فلا نبقي منه ولا نذر ونملأ به جيوبنا وأردن ثيابنا وعجلتنا. وكنت يخيل لي أن تلك الفقاقيع لا يتيسر إحداثها إلا على يد جدتي وذاك الريح البليل في غابة البندق لا يهب إلا إذا رأفقتنا إليها جدتي. والمنظر الثالث وهو أعظمها وأعني به (ليون ستبانيش) الأعمى القصاص الذي كان في بيتنا من بقايا مجد جدي الغابر يسكن دارنا ولا همل له إلا سرد الأقاصيص في الليل وذلك لأن عماه كأن يساعده على حفظ الحكايات بألفاظها بمجرد تلاوتها عليه مرتين وكان يتلو على مسامع الحضور حكاية قمر الزمان المعروفة في قصة ألف ليلة وليلة وكنت اقترب من القصاص استمع إليه ولكنني ما كنت أفهم شيئاً مما يقول ثم أنام ولا أعود أحس بما يجري في دارنا إلى الغد.
وما أعرفه عن جدي والد أمي أنه بعد أن صار قائداً على عهد الأمبراطورة كاترينا عزل دفعة واحدة عن منصبه لأنه لم يرض أن يتزوج ابنة أخت المشير يونمكين نديم كاترينا