أحد لأنهم ذهبوا إلى القرى يستنشقون أخبار الوقوعات التي حدثت بين الأهالي لأنهم أصبحوا بفضل مديرهم يرضون بغدر يقع بينهم واعتداء بعضهم على الآخر لأنه لا يستنكف من أخذ الدراهم من الشاكي والمشتكى عليه وأصبح من أصابه حيف من جاره يغضي على القذى ويحتمل مصابه بالصبر فإنقطعت عنه الواردات فجعل يرسل الدرك والجواسيس ليستطلعوا طلع الوقائع ويأتي بأصحاب الحقوق ويدعوهم إلى أقامة القضايا فينكرون ذلك وهو بين مطمن لهم على حقوقهم ومهدد أن لم يقيموا الدعوى فأرسل يستدعي أنفار الدرك وأخذ يجمع من مر بالقتيل وتكلم معه أو رآه أو سمع به ويحبس من يشاء ويضرب من يشاء ويترك من يدفع له فدية النجاة وكان معظم مساعيه في جمع الدراهم لا في إثبات الجرم ولكن اعترف الجاني بإنه كان أخرج غدارته ليراها سعيد فخرجت خرطوشة من نفسها خطأ وكان سمع (لا علم كان أميالاً يقرأ ولا يكتب) أن المخطئ ينجو من العقاب فلم يسعه إلا إلقاء القبض عليه وإرساله إلى حاضرة الولاية مع محضر التحقيق. ونقل سعيد إلى داره مضرجاً بدمه فلما طرق الباب خرجت الخادمة وفتحت الباب فوجدت سيدها قتيلاً محمولاً في محفة فصاحت ووقعت على الأرض مغمى عليها فسمعت سيدتها صيحتها وشعرت باضطراب وارتعدت فرائضها فهمت لتذهب فما تمكنت لانحلال قواها ولكنها جسرت نفسها فسعت لترى ماذا جرى فوجدت رفيقها محمولاً على الأكتاف في لون أصفر والدم خضب وجهه وصبغ نباسه ولا حركة به فسقطت على الأرض لا حراك بها. وكان الجيران دخلوا البيت فأخذوا ينبهون جميلة من غشيتها وأدخلوا القتيل غرفته ووضعوه على فراشه وبدأ البكاء والنحيب وكان الناس هناك نساء ورجال يبكون دماً على هذا الفتى البائس الذي لم يسمع عنه إلا الفضائل وما عرف إلا بالكمال واللطف وحسن الخلق ولين العريكة وأتى طبيب البلدية والمستنطق ومعاون المدعي العمومي وعاينوه وأمروا بغسله ودفنه فغسلوه وكفنوه وحملوه على الأعناق ليواروه ترابه. لبؤسه حتى يوم مماته لم يكن في المدينة من أصدقائه أحد غير فتى قام بواجباته نحوه ومما ذكره ذلك الصديق أنه رأى وجه خيرية ابنة سعيد على يد الخادم تضحك وتقول (باء باء ئو ئو دح ئو ئو؟) كانها عرفت أن أباها نام نومه أبدية وعلمت أن الكفن لباساً جديداً وأنه دخل في حياة جديدة وانتقل من دار الفناء إلى دار البقاء فلسان حالها يهنئه على خلاصة من