مجله الرساله (صفحة 8786)

الدولة العثمانية قد ذهبت واختفت من عالم الوجود، وفقدت تركيا كل حقوقها القديمة على مصر بمقتضى نصوص معاهدة الصلح (معاهدة سيفر) أولاً، ثم بمقتضى نصوص معاهدة لوزان (سنة 1923)؛ وهي حقوق يقضي المنطق والقانون بأن تؤول إلى مصر؛ ولكن مصر لم يعترف لها بهذا الحق؛ وينص تصريح فبراير سنة 1922 الذي تعترف فيه بريطانيا العظمى باستقلال مصر، على أن بريطانيا العظمى تحتفظ ضمن المسائل المعلقة بمقتضى التصريح بمسالة المواصلات الإمبراطورية، أو بعبارة أخرى بمسألة قناة السويس؛ ومن جهة أخرى فقد اختفت بعض الدول الأخرى التي اشتركت في عقد المعاهدة مثل إمبراطورية النمسا والمجر وروسيا القيصرية؛ وفقدت ألمانيا بمقتضى معاهدة الصلح كل حقوقها في مصر وفي جميع المعاهدات التي عقدتها مع مصر؛ وفيما عدا ذلك فنصوص معاهدة سنة 1888 ما تزال قائمة، وما تزال إلى اليوم دستور قناة السويس

والآن لنرى إلى أي مدى يمكن أن يتأثر هذا الدستور الذي يقضي بحرية الملاحة في القناة وقت الحرب، بنصوص ميثاق عصبة الأمم. وما يشير إليه السير أنجل من أن هذا الميثاق ينسخ دستور القناة نجده في المادة 20 من ميثاق العصبة؛ وهذا نصها؛ (يعترف أعضاء العصبة بان الميثاق الحالي يلغي كل التعهدات أو الاتفاقات الخاصة التي تتعارض مع نصوصه، وتتعهد بأنها لا تعقد في المستقبل أية معاهدة تتعارض مع هذه النصوص)، ولما كان دستور العصبة يقوم على فكرة السلام العام بين الامم، وعلى مبدأ التفاهم والتحكيم في تسوية المنازعات التي تقع بينهما، فان مثل هذا الدستور الذي وضع لقناة السويس منذ نحو نصف قرن، والذي يقضي بأن تسهل حرية المرور في القناة لسفن الدول المتحاربة، لا يتفق مع الغاية التي تعمل لها عصبة الأمم، وهي توثيق أواصر السلام بين الأمم، بل يغدو بالعكس عاملاً في تشجيع الحرب؛ ومثل هذه النصوص التي تتعارض مع روح ميثاق العصبة يجب أن تعتبر منسوخة لاغية

ولكنا نجد من جهة أخرى في ميثاق العصبة نصاً آخر ربما كان يناقض هذا الراي، فالمادة 21 من الميثاق تنص على (أن التعهدات الدولية مثل معاهدات التحكيم والاتفاقات الإقليمية مثل نظرية مونرو، وهي التي يقصد بها توطيد السلم، لا تعتبر متعارضة مع أي نص من نصوص هذا الميثاق). فإذا اعتبرنا معاهدة سنة 1888 داخلة في باب التعهدات الدولية أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015