المسألة الشرقية.
فأما مشكلة البوغازات فأساسها سيطرة تركيا على بوغازي الدردنيل والبسفور وتحكمها في الملاحة بين البحرين الأسود والأبيض، ذلك أن روسيا لها شواطئ على البحر الأسود وهي تسعى دائما للوصول إلى البحر الأبيض، وسفنها مضطرة على أن تمر ببوغازي الدردنيل والبسفور الواقعين بيد تركيا، وهكذا كانت السفن الروسية ولا تزال تحت رحمة الدول المسيطرة على البوغازات، ومن هنا نشأ الخلاف بين تركيا وروسيا وقامت بينهما الحروب.
وفي سنة 1809 كانت إنكلترا تناصب نابليون سيد أوربا العداء وفي الوقت نفسه كان نابليون حليف روسيا إذ ذاك، وكانت الحرب قائمة بين روسيا وتركيا، ومن هنا قامت صداقة بين إنجلترا وتركيا إذ كانتا عدوتين لروسيا ونابليون، فوقعت روسيا وإنكلترا معاهدة سنة 1809 عرفت باسم معاهدة البوغازات في وجه السفن الحربية الأجنبية، ومن البديهي أن المقصود بالسفن الأجنبية إنما السفن الروسية، إذ ليس ثمة صالح لإنجلترا أن تدخل البوغازات.
وقد انتهت حروب نابليون بهزيمته، وقام تحالف إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا ولكن معاهدة البوغازات ظلت قائمة.
وفي سنة 1830 قامت الحرب بين محمد علي وتركيا، وتدخلت روسيا للدفاع عن عدوتها التقليدية تركيا ضد محمد علي، ودبت عقارب الشك في نفس إنجلترا فتدخلت وانتهى الخلاف بين محمد علي والسلطان سنة 1841 ونصت المعاهدة الدولية على الاحتفاظ بالمبدأ السابق في معاهدة البوغزات.
وفي سنة 1853 قامت حرب القرم بين روسيا في جانب، وتركيا وإنجلترا وفرنسا في جانب آخر، وقد انتصر الحلفاء ضد روسيا. وفي معاهدة باريس سنة 1856 تقررت حيدة البحر الأسود ومنعت روسيا من إقامة حصون عليه وحرم عليها أن يكون لها به سفن حربية، وتقرر الاحتفاظ بالمبدأ السائد في معاهدة البوغازات وهو إغلاق البوغازات في وجه السفن الحربية الأجنبية.
ولكن روسيا مزقت نصوص المعاهدة في سنة 1870 منتهزة قيام الحرب بين فرنسا