ولد عمر بن عبد العزيز بالمدينة سنة 61هـ. . وقيل سنة 63هـ ولا يغيب عن بال أحد أن المدينة كان لها أعظم الفضل في تاريخ الإسلام والمسلمين. . وبها كان أكثر التشريع الإسلامي؛ وكانت منبعاً لأكثر الأحداث التاريخية في صدر الإسلام؛ وبها حدث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثه. وكانت مركز الخلافة في أهم عصر من عصور الإسلام أيام أبي بكر وعمر وعثمان وبها كان كثير من أكابر الصحابة قد شاهدوا ما فعل النبي وسمعوا ما قال وكانوا شركاء في بعض ما وقع من غزوات وفتوح؛ فهم يحدثون بما سمعوا وشاهدوا. . وكانت مكة والمدينة من أهم مراكز الحياة العلمية في ذلك العصر يقصدهما طلاب الحديث وطلاب التاريخ وقد فاقت المدينة مكة في ذلك؛ لأن أشهر من أسلم من أهل مكة هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وكان من يسلم بعد الهجرة من أهل مكة يهاجر كذلك خصوصاً إذا كان من رجالات قريش وعقلائها. . وكان طلبة العلم يبعثون إلى المدينة ويرسلون إليها لينهلوا من علومها ويغترفوا من آدابها ويأخذون عن علمائها. وقد نشأ عمر وشب وترعرع في هذه البيئة العلمية الزاكية. . ونثقف على أساتذتها وروى الحديث ونلقى الفقه عن جماعة من الصحابة - فشغف بالعلم وعلمائه وبالحديث ومحدثيه ونشأت بينه وبين وبينهم صلة طيبة وعلاقة قوية متينة حتى أنه كان يقول (لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إليَّ من الدنيا وما فيها) والمقصود بذلك هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المتوفى سنة 99هـ والذي يقول فيه أيضاً (ما رويت عن عبد الله بن عتبة أكثر مما رويت عن جميع الناس). كما كانت المدينة تزخرف تلك الحقبة بالحياة الأدبية فأخذ عمر بحظه من الثقافة الأدبية. وقد قال عن نفسه (لقد رأيتني وأنا بالمدينة غلاماً من الغلمان ثم تاقت نفسي إلى العلم بالعربية والشعر فأصبت منه حاجتي). وقد أثرت هذه البيئة العلمية في تكوين شخصية عمر. . فحذق العلوم حتى صار فيها إماماً ضليعاً. . ولذلك يقول فيه ميمون بن مهران المتوفى سنة 117هـ (ما كان العلماء عند عمر بن عبد العزيز إلا تلاميذ). . وهناك عامل آخر أثر في تكوين شخصية عمر، غير عامل البيئة. . ذلك هو عامل الوراثة. . فأبوه عبد العزيز بن مروان كان والياً على مصر وأقام بها عشرين عاماً منذ سنة 65هـ إلى أن مات سنة 85هـ وجده مروان بن الحكم الذي ولي الخلافة من سنة 64 - 65هـ. وأما نسبه لأمه فأمه ليلى أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن